اختراق المعضلة الإسكانية

كثيرا ما حدثني بعض رجال الأعمال المهتمين بمشاريع التطوير العقاري أنهم على استعداد تام وفوري للمساهمة في سد الفجوة بين العرض والطلب على المساكن في بلادنا بإقامة وحدات سكنية متباينة الحجم وتمليكها للمواطنين بتكاليف معقولة. وأكدوا أن تكلفة الوحدة يمكن أن تبدأ من نحو نصف مليون ريال لمبنى مساحته 400 متر مربع، أو ربما مساحة أقل من ذلك وفق الحاجة، ثم تتدرج التكلفة في الارتفاع حسب المساحة ومستوى التشطيب. وأن كل ما يحتاجون إليه لتوفير هذه الوحدات السكنية بهذه التكلفة هو أن تمنحهم الحكومة أراضي مجانية مشروطة باستخدامها لهذا الغرض فقط.
وكان المسؤولون في الهيئة العامة للإسكان قد صرحوا غير مرة أن أكبر عقبة تواجههم لتنفيذ خطتهم لبناء 66 ألف وحدة سكنية، هي عدم توافر الأراضي! والحقيقة أن المرء ليحار كيف أصبحت الأرض هي العائق الأكبر لحصول الناس على مساكن في بلاد ـــ حباها الله ـــ أراضي شاسعة كبلادنا؟ إن نقطة الانطلاق في مواجهة معضلة الإسكان هي حل مشكلة ندرة الأراضي. وهي ندرة مصطنعة بسبب سوء توزيع الملكية واستيلاء البعض عن طريق المنح على مساحات شاسعة ليس لسد حاجتهم وإنما بغرض زيارة الإثراء. وهذا لعمرك من أخطر ما يورد المجتمعات المهالك عندما تتلاعب قلة بحاجات الناس الأساسية. لذا يجب أن تنصرف جهودنا إلى حل هذه المعضلة أولا إن أردنا حقيقة وصدقا تجنب هذا الخطر.
الفجوة الراهنة في قطاع الإسكان مقلقة جدا وهي تتسع يوما بعد آخر بسبب قلة العرض في مقابل معدل نمو عال في عدد السكان. وعلينا تصور ما سيكون عليه حالنا بعد 20 عاما ـــ إذا تأخرنا أكثر ـــ عندما يتضاعف عدد سكان البلاد ليصل إلى نحو 45 مليون نسمة حسب بعض التقديرات! لقد أجبرت معضلة ندرة الأراضي المطورين العقاريين على البناء في مواقع بعيدة عن المدن لتفادي ارتفاع أسعار الأراضي، في حين أن مدننا مليئة بمساحات خالية يكتنزها من لا يحتاج إليها. ومع ذلك ظلت أسعار شقق التمليك في تلك المواقع تسجل معدل ارتفاع مماثل تقريبا لمعدل ارتفاع أسعار شقق التمليك داخل المدن, وذلك يدل على الطلب الكبير في السوق ونقص المعروض من شقق التمليك.
أضحت مسألة ندرة الأراضي أحد أهم أسباب ارتفاع أسعار العقارات. وما زالت عدة تقارير اقتصادية تؤكد استمرار خطها التصاعدي. فقد ارتفع متوسط أسعار الشقق الكبيرة (135 – 190 مترا مربعا) في جميع أنحاء البلاد وخاصة في المناطق الراقية بمعدل 13 في المائة في المتوسط، فيما ارتفع متوسط أسعار الفلل الصغيرة (300– 400 مترمربع) بنحو 17 في المائة في المدن الكبرى، باستثناء المنطقة الشرقية، لكنها سجلت ارتفاعا أعلى في بعض أحياء شمال الرياض الراقية وصل إلى نحو 40 في المائة من سعرها قبل سنة. أما في مدينة جدة التي ما انفكت تسجل أكبر الزيادات في أسعار العقارات بين كل مدن المملكة، فقد وصل متوسط أسعار الشقق الكبيرة في شمال جدة (في غير العمائر المطلة على البحر) لنحو 770 ألف ريال. وبشكل عام سجلت بعض أسعار الأراضي السكنية في الخبر وجدة أعلى الأسعار.
أما أسعار الأراضي التجارية فقد تأثرت في السنتين الماضيتين بجمود النشاط الاقتصادي عامة، بيد أنها استعادت قدرا من الزخم وإن كان أقل بكثير من أسعار الأراضي السكنية، حيث بلغ متوسط الزيادة في أسعارها نحو 1.6 في المائة، في حين أنها ارتفعت بنسبة 5 في المائة في جدة. وسجل كورنيش جدة أغلى سعر لمتر الأراضي التجارية في المملكة ـــ باستثناء المناطق المركزية حول الحرمين الشريفين ـــ حيث بلغ نحو 21 ألف ريال، وكان أقل سعر للأراضي التجارية سجل في منطقة الحزام الذهبي في الخبر، حيث سجل نحو 5400 ريال في المتوسط للمتر.
أما أسعار الإيجارات فقد واصلت ارتفاعها المستمر لتشكل أحد الأسباب الكبرى لارتفاع معدل التضخم في المملكة، حيث سجل متوسط أسعار الشقق الكبيرة زيادة بنحو 8 في المائة خلال العام الماضي، فيما بلغت الزيادة في إيجارات الفلل الصغيرة أكثر من 9 في المائة. ومن الواضح أن نمو السكان بهيكله الشبابي يولد ضغوطا مستمرة في ناحية الطلب على الإسكان لا تجاريه استجابة مناسبة من جهة عرض المساكن، الأمر الذي يعمق من مأساة ارتفاع أسعار العقارات. لقد أصبحت حاجة البلاد ماسة إلى إجراءات غير عادية لاختراق هذه الحلقة المفزعة، وربما كان من أهم هذه الإجراءات وأكثرها إلحاحا الإسراع في منح من يرغب من شركات التطوير العقاري أراضي مجانية لإقامة وحدات سكنية بتكاليف تناسب دخول جمهور الناس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي