الجميع يريدون أن يعرفوا!

قضيت سنوات من حياتي في كندا وتحديدا في مدينة وينيبج في ولاية منيتوبا لدراسة برنامج الجراحة العامة، وفي مدينة كالجري في ولاية البرتا لدراسة برنامج جراحة القولون والمستقيم. وهذه المرحلة من حياتي العملية أعتبرها ثرية بكل ما تعني الكلمة، فقد أعطتني خبرات كبيرة عن طبيعة العمل الطبي وسمحت بالاحتكاك بعدد من الجراحين الكبار على مستوى العالم، وأعتقد أن جميع زملائي يتفقون معي على ثراء مثل هذه التجربة العملية والإنسانية.
من هذه الزاوية تحديدا أدلف لموضوع في غاية من الأهمية يتعلق ببعض المرضى وأقاربهم، وكيفية التعامل مع المريض وحقوقه البديهية في المحافظة على خصوصية حالته الطبية وعدم إفشاء أي معلومة عنه.
أثناء مرحلة العمل في كندا، كانت المرات التي يحاول عدد من أفراد الأسرة التطفل على خصوصية المريض معدودة وفي نطاق ضيق، من البدهي أن يكون الوضع لدينا مختلفا تماما وبشكل جلي وملموس، فقد يجتمع بالطبيب خمسة من أفراد الأسرة ويريدون جميعا معرفة تفصيلية عن حالة قريبهم، والأكثر إحراجا عندما تكون الحالة التي بين يديك في وضع لا يسمح لك بأخذ موافقتها على إفشاء معلومات طبية عنها. الموضوع لا يقف عند ابن يريد معرفة حالة أبيه أو أمه، ولا يقف عند أخ يريد معرفة حالة أخيه، إنه يتعدى هذا بمراحل حتى تفاجأ بأن الصديق يطلب ويراجع للحصول على تقرير طبي بحالة صديقه، ومع التقدير والاحترام البالغ لعاداتنا وتقاليدنا، ومع الأخذ في الاعتبار الروابط الاجتماعية القوية في بلادنا ــــ وهي نعمة نشكر الله عليها ــــ إلا أن في مثل هذا تجاوز على حقوق المريض، وتعد غير مبرر على خصوصياته، خاصة عندما تكون الحالة المرضية بالغة السوء كأن تكون في العناية المركزة ولا مجال للأخذ والعطاء خاصة في الأيام الأولى.
أجزم بأن كثيرا من الأطباء مروا بمرحلة من الحرج البالغ عندما يتجمع عدد من الأقارب ويحيطون به كل يسأل من جهته وتجد الطبيب في دوامة بين المرضى والأقارب، والبعض الآخر يأتي للزيارة ويطلب مقابلة الطبيب ثم يسأل عن حالة قريبه، فيشرح له الطبيب بعمومية ثم ينصرف، وبعد قليل يأتي شخص آخر ويسأل وهكذا.. وفي حالة اعتذار الطبيب عن الإجابة أو التفاعل فإنه قد يتعرض لنقد بالغ وفي أحيان لكلمات جارحة دون مبرر أو سبب.
أعتقد أن موضوع حقوق المرضى وآداب الزيارة يجب أن يتم النشر عنهما بشكل موسع، ولا بد من عمل برامج توعوية وتثقيفية للمجتمع، على الرغم من أنها جوانب لم يغفل عنها ديننا الحنيف سواء بالمحافظة على حقوق الآخرين وأسرارهم وعدم التعدي على خصوصياتهم، أو من خلال تنظيم آداب عامة وواضحة لزيارة المريض حتى كيفية الدعاء له ونحوها.
صحيح أن بعض المرضى عندما تسمح حالتهم الصحية فإنهم يبلغون الطبيب بأن ابنهم فلان هو المخول بمعرفة تفاصيل حالته، بل البعض يقول لا تخبرني بأي شيء عن مرضي إنما أبلغ ابني هذا. ومثل هذا التوجيه للطبيب مريح وواضح لكنه مع الأسف لا يحدث دوما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي