قراءة في ميزانية البحرين لعامي 2011 و2012
خلافا لما كان عليه الحال في السنوات الماضية، افترضت الجهات الرسمية في البحرين متوسط سعر قدره 80 دولارا للبرميل بالنسبة لمشروع ميزانية 12 - 2011، أي ضعف الرقم الذي تم اعتماده للسنتين الماليتين 2009 و2010.
وفي كل الأحوال، من السهل تفهم الخطوة، وذلك بالنظر إلى توقع بقاء أسعار النفط مرتفعة طوال 2011 على الأقل، حيث ليس من المستبعد تخطي الأسعار حاجز 100 دولار للبرميل. ويكمن السبب الجوهري الآخر لهذا التطور في خشية ارتفاع مستوى العجز بشكل كبير في حال تبني متوسط سعر أقل بكثير من 80 دولارا للبرميل.
أكبر ميزانية
تبلغ قيمة المصروفات المقدرة للسنة المالية 2011 تحديدا 6786 مليون دولار مقارنة بإيرادات قدرها 5802 مليون دولار. تزيد النفقات المقدرة للسنة المالية 2011 بنحو 9 في المائة على تلك المقدرة أصلا لعام 2010؛ ما يؤكد وجود نية حكومية لاستمرار التعامل بشكل جدي مع الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية. يعتقد على نطاق واسع بينها توصيات مجموعة العشرين، التي تضم السعودية، أن المطلوب من القطاع العام لعب دور القيادة لمعالجة الآثار السلبية للأزمة عبر زيادة النفقات العامة.
وترتفع أرقام النفقات والإيرادات للسنة المالية 2012 إلى 7108 ملايين دولار و5944 مليون دولار على التوالي. ويلاحظ في هذا الصدد أن العجز المالي يشكل 4.1 و4.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2011 و2012 على التوالي. حقيقة القول، تتناقض هذه الأرقام مع أحد شروط مشروع الاتحاد النقدي، الذي تم إطلاقه في 2010 والذي يلزم عدم ارتفاع عجز الميزانية العامة عن 3 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي.
وفي كل الأحوال، تشكل نفقات الدولة نحو 30 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يعكس الأهمية النسبية للقطاع العام في الاقتصاد البحريني.
ومن شأن زيادة النفقات العامة المساهمة في تسجيل نتائج مرغوبة في الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي مواجهة بعض التحديات الاقتصادية، خصوصا مسألة إيجاد فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطنين. إضافة إلى ذلك، غالبا ترى مؤسسات القطاع الخاص في نمو المصروفات دليلا ماديا على رغبة الجهات الرسمية بتنشيط الأوضاع الاقتصادية، وبالتالي قد تقدِم على خطوات مماثلة.
عجز في حدود السيطرة
يبلغ حجم العجز المتوقع 984 مليون دولار، فضلا عن 1164 مليون دولار للسنتين الماليتين 2011 و2012 على التوالي، على الرغم من تبني متوسط سعر قدره 80 دولارا للبرميل، ومن شأن افتراض متوسط متدن نسبيا التسبب في ارتفاع العجز إلى مستويات غير مقبولة، الأمر الذي من شأنه النيل من الملاءة المالية للبحرين.
وكانت كل من مؤسسة ستاندرد آند بورز ووكالة التصنيف العالمي فيتش قد جددتا في نهاية 2010، وبصورة منفردة، منح البحرين التصنيف الائتماني (أي) للمدى الطويل. في المقابل، أقدمت وكالة موديز لخدمات المستثمرين في صيف 2010 على تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للبحرين من أي 2 إلى إي 3؛ بسبب تدهور المرونة المالية بالنظر إلى تعزيز نفقات الحكومة، فضلا عن الارتفاع النسبي لمتوسط سعر النفط لتحقيق التوازن في المالية العامة.
يبقى أنه خلافا للتقارير التي تصدرها ''ستاندرد آند بورز''، إضافة إلى ''فيتش''، تتمتع التقارير التي تصدرها ''موديز'' بالكثير من المصداقية؛ كونها تصدر بصورة مستقلة وليست نزولا عند طلب الجهات التي يتم تقييمها.
مشكلة الصرف
من جملة الأمور، يتوقع أن يكون العجز الفعلي أقل من ذلك على خلفية توقع تراجع حجم المصروفات بسبب الظروف الاستثنائية التي تشمل تأجيل إقرار الميزانية. تقليديا تصرف السلطات أقل من المبلغ المخصص للمشاريع، حيث بلغت نسبة التنفيذ في السنة المالية 2009 حدود 68 في المائة.
يعتقد أن مسألة عدم صرف المخصصات كاملة مرتبطة بتحديات مثل مشكلة التخطيط، فضلا عن محدودية القدرة الاستيعابية للاقتصاد مثل صعوبة ضمان توافر مواد البناء والعدد الكافي من المقاولين لتنفيذ المشروعات التنموية. وهناك سبب آخر وهو الخوف من زيادة حدة التضخم جراء مصروفات القطاع العام. ومع الأسف، عاد شبح التضخم للظهور بشكل واضح مع بداية 2011؛ بسبب تطورات ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية على مستوى العالم.
أهمية القطاع النفطي
تؤكد الأرقام أن الاقتصاد البحريني سيبقى تحت رحمة التطورات في القطاع النفطي، رغم كل الحديث عن التنوع الاقتصادي. فقد تم اعتماد الموازنة على أساس أن القطاع النفطي سيسهم بنحو 87 في المائة من مجموع إيرادات 2011 و2012 مقارنة بـ 76 في المائة في 2010. كما كشفت أرقام الحساب الختامي، التي كشف النقاب عنها حديثا، أن القطاع النفطي أسهم بنحو 83 في المائة من الإيرادات الفعلية لعام 2009.
ختاما، تتميز البحرين بإقرارها ميزانية سنتين ماليتين في آن واحد، وتزعم السلطات أن التجربة تسهم في منح مؤسسات القطاع الخاص فرصة معرفة اتجاهات الصرف للدولة، وبالتالي التخطيط للاستفادة من مشاريع القطاع العام.