التدخل في الدعوى
نصت المادة (77) من نظام المرافعات الشرعية بأنه (يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضماً لأحد الخصوم أو طالباً الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى. ويكون التدخل بصحيفة تبلغ للخصوم قبل يوم الجلسة، أو بطلب يقدم شفاهاً في الجلسة في حضورهم، ويثبت في محضرها ولا يقبل التدخل بعد إقفال باب المرافعة).
وبإيجاز نستخلص من هذه المادة ما يلي:
1- أنه يجوز لأي شخص غير طرف في الدعوى أن يتدخل فيها شريطة أن تكون له مصلحة. والمصلحة كما حددتها المادة (4/1) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية هي (كل ما فيه جلب تقع أو دفع ضرر). وإذا حدث نزاع حول وجود أو عدم وجود مصلحة للمتدخل فإن المادة (77/1) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية خولت القاضي صلاحية تقدير هذه المصلحة.
2- التدخل نوعان، إما أن يكون تدخلاً انضمامياً أو يكون تدخلاً اختصامياً. والتدخل الانضمامي يعني أن يكون مقصود المتدخل الانضمام إلى أحد الخصوم مؤيداً طلباته لأن ذلك يحقق له مصلحة. والتدخل الاختصامي أن يكون هدف المتدخل هو المطالبة بحق خاص به في مواجهة طرفي الخصومة. ويجب أن يكون لهذه المطالبة ارتباط بموضوع الدعوى الأصلية، حيث نصت المادة (77/3) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية بأنه (يشترط لتدخل ذي المصلحة طالباً الحكم لنفسه أن يكون هناك ارتباط بين طلبه والدعوى الأصلية). ومثال التدخل الانضمامي أن يرفع شريك في شركة دعوى للمطالبة بعزل مدير الشركة أو بفرض الحراسة القضائية على الشركة فينضم إليه شريك آخر مؤيداً مطالبه. ومثال التدخل الاختصامي أن يكون محل النزاع ادعاء كل من المدعي والمدعى عليه ملكيته لعقار فيتدخل شخص آخر للمطالبة لنفسه بحق ملكية هذا العقار. وقد لا يكون هدف المتدخل الاختصامي المطالبة بالحق محل النزاع بين المدعى والمدعى عليه، وإنما المطالبة بحق ذي صلة بموضوع النزاع، ومثاله أن يكون محل الدعوى نزاع بين البائع والمشتري فيتدخل السمسار الذي بواسطته تم إبرام العقد، للمطالبة بأتعابه عن السمسرة والثابتة في هذا العقد.
3- رسم النظام طريقين للتدخل، يجوز للمتدخل سلوك أحدهما، الطريق الأول هو اتباع الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى، حيث يبلغ الخصوم بطلب التدخل قبل الجلسة وفقاً لأحكام التبليغ المنصوص عليها في النظام. بيد أن المادة (77/4) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية قررت أنه (إذا كان التدخل مكتوباً فلا يلزم التقيد بالمدد المنصوص عليها في إجراءات التبليغ، بل يكفي ولو قبل يوم من الجلسة). والطريق الثاني هو تقديم طلب التدخل شفاهة في الجلسة في حضور الخصوم. فإذا كان أحد الخصوم غائباً فإن التدخل في مواجهته لا يكون إلا عن الطريق الأول أي طريق الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى.
4- يشترط لقبول التدخل أن يقدم طلب التدخل قبل إقفال باب المرافعة، والحكمة من هذا الشرط واضحة وهي ألا يترتب على التدخل تأخير الفصل في الدعوى الأصلية. وقررت بعض قوانين المرافعات صراحة بأنه يجوز للمتدخل الانضمامي التدخل أمام محكمة ثاني درجة (الاستئناف) أو ثالث درجة (محكمة النقض)، ولم تجز ذلك للمتدخل الاختصامي، ولم يتضمن نظام المرافعات الشرعية السعودي نصاً في هذا الخصوص، مما قد يفسر على أنه لا يجوز التدخل سواء انضمامياً أو اختصاصياً أمام محاكم الدرجة الثانية (الاستئناف) أو محاكم الدرجة الثالثة (المحكمة العليا).
5- يترتب على قبول التدخل اعتبار المتدخل طرفاً في الخصومة، ولذلك نصت المادة (77/2) من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات الشرعية بأن (للمتدخل سائر الحقوق التي لأطراف الدعوى الأصلية). ويعد المتدخل الانضمامي مدعياً أو مدعى عليه حسب مركز من ينضم إليه في الدعوى، ولذلك يعتبر فقهاء القانون المتدخل الانضمامي بأنه خصم تبعي فإذا زالت الخصومة لأي سبب سواء أكان موضوعياً أو إجرائيا فإن ذلك يؤدي إلى زوال التدخل. أما المتدخل الاختصامي فيكون دائماً في مركز المدعي. ولذلك فإنه إذا تنازل المدعي الأصلي عن دعواه أو ترك الخصومة، فإن ذلك لا يؤثر على طلب المتدخل الاختصامي ويتعين على المحكمة الفصل فيه.
إذا حكمت المحكمة برفض طلب التدخل فانه يحق لطالب التدخل أن يطعن في هذا الحكم وفق القواعد النظامية الخاصة بكيفية الطعن في الأحكام.
ويرى بعض فقهاء القانون أن الهدف الذي يتغياه المشرع من إجازة التدخل هو الاقتصاد في الإجراءات بتفادي أي ازدواج غير ضروري للخصومة القضائية، كما أن التدخل يؤدي إلى درء أي ضرر واقعي قد يصيب غير أطراف الخصومة من صدور أحكام تمس مصالحهم كما يؤدي إلى توقي ما يحتمل من تعارض بين الأحكام القضائية.
وفي التطبيق العملي، فإنني كمحام واجهت موقفين بخصوص التدخل، الأول أن الدائرة القضائية المختصة بنظر الدعوى، قبلت طلب تدخل شخص في دعوى منضماً إلى المدعي رغم اعتراض المدعى عليه على هذا التدخل لأن الدائرة وجدت أن لطالب التدخل مصلحة معتبرة مرتبطة بالدعوى. وفي الموقف الثاني رفضت دائرة قضائية أخرى طلب التدخل من حيث المبدأ رغم توافر شروطه القانونية بشكل واضح بمقولة أن هذا التدخل سيؤخر الفصل في الدعوى رغم أن باب المرافعة لم يقفل بعد، وطلبت من طالب التدخل أن يرفع دعوى مستقلة بمطالبه فوجدت نفسي أكتب هذا المقال لعلي بذلك أسهم في توضيح الملامح القانونية لمفهوم التدخل وأهدافه وأسانيده.