نظاما القضاء وديوان المظالم .. نقاش وآراء

الحمد لله المعين الهادي إلى سواء السبيل، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد، فإن من خطوات الإصلاح والتطوير صدور كل من نظامي القضاء وديوان المظالم في 19/9/1428هـ بالمرسوم الملكي رقم (م/ 78)؛ إذ كان هذا محل استبشار من كل المختصين من قضاة ومحامين وأساتذة وباحثين ودارسين؛ لما يحوي كل من النظامين من تطوير وتحديث، من أهمها جعل التقاضي على ثلاث درجات (المحكمة العليا، محاكم الاستئناف، محاكم الدرجة الأولى)، وإيجاد اختصاص نوعي في الدرجة الأولى (محاكم عامة، محاكم جزائية، محاكم أحوال شخصية، محاكم تجارية، محاكم عمالية) (المادة/ 9)، وكذلك الحال بالنسبة لنظام ديوان المظالم فهو قضاء إداري يكون التقاضي أمامه على ثلاث درجات (المحكمة الإدارية العليا، محاكم الاستئناف الإدارية، المحاكم الإدارية) (المادة/ 8)، ولكن التأخر في تنفيذ كل من النظامين مدة طويلة جعل ذلك محل نقاش وطرح آراء، وأفكار على أساس أن النظامين صدرا في وقت لم يكن قد اتخذت الترتيبات اللازمة لتنفيذ كل من النظامين بعد صدورهما بفترة وجيزة، وقد لوحظ هذا أنه لم يحدد وقتا معينا لتنفيذ كل منهما في نهاية كل نظام كما هو المعتاد في الأنظمة التي تصدر، وأحسب أن هناك أسبابا عديدة لهذا التأخير، فقد مضى قرابة سنة ونصف السنة لم يتبين أن خطوة قد اتخذت للتنفيذ، وكان يعتقد أن التأخير بسبب ما يستلزم تعديله في نظامي المرافعات الشرعية، والإجراءات الجزائية، وصدور نظام المرافعات أمام ديوان المظالم.
ولكن بعد التعديل الوزاري المحدود الذي تم في شهر صفر 1430هـ بفترة بدأ يظهر التحرك المحدود في التنفيذ المبدئي من استئجار بعض المباني، وترقيات للقضاة على مراتب بالمسميات الجديدة، وعقد ورش عمل ودورات تدريبية للكوادر القضائية، وصدور قرارات من وزير العدل في شهري (ربيع الثاني وشعبان) من عام 1431هـ، بإحداث محاكم تجارية في كل من الرياض وجدة والدمام، نص فيهم على (...وضع الترتيبات المالية والإدارية والوظيفية اللازمة) (مجلة العدل العدد ''49'' المحرم 1432هـ، صفحة'' 327،330 '')، وهذا يُعد من قبيل التنفيذ الشكلي - فقط - دون التنفيذ الموضوعي في وقت لم نسمع عن انتهاء التعديلات في نظامي المرافعات الشرعية، والإجراءات الجزائية وصدورهما، وكذلك صدور نظام المرافعات أمام ديوان المظالم؛ إذ لا بد من استكمال كل ذلك بما فيه استكمال التشكيلات القضائية بشكل متكامل.
والمجلس الأعلى للقضاء بهيكلته الجديدة بدأ في هذا التنفيذ، ولكن هناك نقاشا وآراء تطرح حول ما تم من إجراءات سواء بين المختصين في مجالسهم الخاصة، ولقاءاتهم العادية عندما يثار النقاش حول ما تم، أو غير ذلك من اللقاءات التي يثار فيها نقاش علمي، وبالمناسبة سألني صديق عزيز إن كنت قرأت مقالا نشر في صحيفة ''الرياض'' يوم الثلاثاء 12/2/1432هـ الموافق 25/1/2011، بقلم الدكتور ناصر بن زيد بن داود (قاض في وزارة العدل) بعنوان (حتى لا تختلط الأوراق وتساء بنا الظنون) فبحثت عنه، ووجدته مقال مطول أبدى فيه ملحوظات على ما تم من ترقية بعض القضاة إلى مرتبة (قاضي استئناف)، وأشار إلى أنه تلقى اتصالا من أحد القضاة (.. يسأله عن: شرعية نظره القضايا في المحكمة العامة بعد نفوذ ترقيته إلى قضاء الاستئناف؟)، وأنه قد أجابه بما نصه: (إن نظر القضايا ولاية مستمدة من ولي الأمر، وقاضي الاستئناف لا يحق له نظر القضايا ابتداء إلا بأحد طريقين): وذكر الندب من رئيس المجلس الأعلى للقضاء مدة ثلاثة أشهر، أو بندب المجلس الأعلى للقضاء (الهيئة العامة) له مدة لا تجاوز السنة، وفي كلتا الحالتين أستند إلى نص المادة (49) من نظام القضاء، ومشيرا إلى أنه لم يلتزم بهذا النص، فإن صح هذا فإن ملحوظته في محلها من الناحية النظامية، وقد أبدى ملحوظات أخرى حري بالمجلس الأعلى للقضاء، دراستها من قبل المستشارين لديه، واتخاذ الإجراءات النظامية الصحيحة بما يكفل التقيد بالنظام، وفي الوقت نفسه المضي في كل ما من شأنه تنفيذ نظام القضاء الجديد، كذلك الحال بالنسبة لنظام ديوان المظالم؛ إذ لاحظت أن دوائر التدقيق قد كُتب على مكاتبهم لوحات (استئناف) مع أنه لم يبدأ التقاضي بالدرجات الثلاث؛ لأن المعروف أن قضاء الاستئناف ليس قضاء أوراق فقط، وإنما قضاء تحقيق وأوراق، حيث يسمع ترافع الخصوم أمامه، وسماع أقوالهم بمثل ما يحصل أمام الدرجة الأولى، ثم بعد الحكم، واعتراض أحد الخصوم ترفع القضية إلى المحكمة الإدارية العليا للنظر فيها في ضوء ما أبدي في لائحة الاعتراض، ومن ثم البت في القضية بشكل نهائي.
إن القضاء من أهم السلطات الرقابية في الدولة، فهو الحصن الحصين في مجال الرقابة والإصلاح، والملجأ لفض الخصومات والمنازعات، وإعطاء كل صاحب حق حقه بالعدل والمساواة بحياد واستقلالية تامة، من هذا المنطلق كان الاهتمام بمرفق القضاء من حيث التطوير، والتجهيز والرقي به إلى مستويات عالية، وهذا ما تم على أساسه صدور كل من النظامين بما ورد فيهما من نصوص محكمة الصياغة بأحكام منضبطة، وقواعد إجرائية مرتبة واجبة التنفيذ بدقة وعناية، وهو ما قصده ولي الأمر - حفظه الله - من إصداره كل من النظامين.
إن ما تقدم ذكره خواطر مواطن حرك شعوره للكتابة ما سمعه، وما قرأه في المقال المشار إليه آنفا، وعسى ما ذكرته باختصار متناه يكون فيه الفائدة؛ بغية سرعة صدور الأنظمة التنفيذية المعدلة (نظام المرافعات الشرعية، نظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات أمام ديوان المظالم)، وكذلك استكمال كل التجهيزات والكوادر لسرعة العمل بنظامي القضاء وديوان المظالم؛ حتى لا تتاح الفرصة لبعض غير المتحمسين، والمغرضين المتربصين الذين يتحينون الفرص ليقولوا: (إن النظامين مجرد حبر على ورق)، وهذا القول يثير إحساس غير الطيب في نفوس المختصين والمتحمسين، بل يؤلمهم أيّما إيلام؛ لأنهم فرحوا بصدور النظامين، ويأملون ألا يتأخر العمل بهما أكثر مما حصل، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل، آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي