مضامين الأوامر .. وفاعلية التطبيق
لا شك أن بلادنا عاشت لحظتي فرح وسرور معا, الأولى كانت بعودة خادم الحرمين الشريفين سالما معافى, والأخرى بالأوامر والقرارات الملكية التي هبطت على الشعب والوطن قبل هبوط طائرة الملك بما حملته من مضامين تصب بكاملها لرفع مستوى معيشة المواطن ودعم قدراته الحياتية, التي أدت بدورها لشعور بارتياح عام بأنها صرف لما منّ به الله على بلاده من خير وفير على الجوانب الحياتية التي تمسه مباشرة, فـ 110 مليارات ريال التي هي حصيلة ما تقرر صرفه في هذه الأوامر والقرارات ستنعكس بقدر مباشر على التخفيف من الضغوط والنواقص التي يعانيها في حياته المعيشية, فمع ضخامة المبلغ وما يمثله من عبء على وزارة المالية المطالبة بالعمل على توفيره, إلا أن مردوده أكبر على حياة المواطن وقدراته على مواجهة متطلباتها, وجعله من ناحية أخرى يستفيد مباشرة من ثروات بلاده بتطوير مصادر دخله بما يمكنه من تغطية جوانب من احتياجاته في ظل هذا الغلاء المتنامي الذي قلل من قيمة دخله وقدرته الشرائية.
صحيح أن صدور هذه الأوامر والقرارات الملكية مهم للغاية, إلا أن الأكثر أهمية أن تجد آلية إدارية ومالية فاعلة وسريعة لتطبيقها ووضعها موضع التنفيذ دون أن تؤخرها بيروقراطية إدارية ومالية لعبت دوما دورا سلبيا, وأفقدت كثيرا من القرارات قيمتها وفاعليتها وأثرها الإيجابي.
إن تنفيذ وتطبيق ما جاء في هذه الأوامر والقرارات الملكية خلال فترة زمنية محددة وقريبة وبشكل متكامل حتى لا تفقد زخمها وتفقد الفرحة بها, هو اختبار حقيقي ومقياس دقيق للقدرة الإدارية والمالية لدى كل الأجهزة الحكومية المعنية وأولها وزارة المالية على سرعة التنفيذ والتطبيق لما تضمنته, خصوصا أنها تحتاج بالفعل إلى عمل منظم وفاعل لجعل منها قرارات تلمس آثارها وترى نتائجها على أرض الواقع وبقدر كاف, فالخوف كل الخوف أن تقف بيروقراطيتنا إياها البطيئة والمبالغة في الحذر حجر عثرة أمام تنفيذها بكيفية سريعة وعاجلة, فلن يكون مقبولا مثلا أن يخرج علينا بالقول إن الـ 40 مليارا المخصصة لدعم صندوق التنمية العقاري المتعثر وبطء عملية الإقراض, التي هي في تضخم سنويا بسبب نسبة المتقدمين قياسا بإمكانات الإقراض المتوافرة, و15 مليار ريال التي خصصت لدعم الهيئة العامة للإسكان, التي نسمع عنها ولا نراها, أنها ستصرف على مدى سنوات وليس دفعة واحدة, أو إدخال أمر صرف إعانة مالية مؤقتة للعاطلين عن العمل لعدم توافر فرص وظيفية لهم, وكيف لهم ذلك والعمالة الأجنبية تحكم سيطرتها على سوقنا, وأن هذه الإعانة يجب ألا تقل عن 1500 ريال, كما رجح ذلك مدير مكتب العمل في جدة, في دهليز إجراءات ودراسات إدارية ومالية معقدة ومعيقة لتطبيق روح الأمر في معالجة مؤقتة للبطالة, فالسكن والبطالة اللذين يعانيهما القطاع الأكبر من المواطنين وشريحته الأوسع ممن هم في سن الشباب المتطلع لبدء حياة آمنة بتوافر مسكن وعمل يؤمن لهم مقومات حياة مشجعة لا عوز يؤدي إلى يأس وخيبة أمل بمستقبل آمن له ولأسرته, هما من أبرز المعوقات التي لا بد من إصلاحها ومعالجتها, فالسكن في بلد منّ الله عليه بخير وفير, لا بد أن يوفر لأكبر شريحة من الناس من خلال توفير مصادر تمويل ميسرة وسهلة, ودعم العاطلين عن العمل, خصوصا ممن يحملون مؤهلات من الشباب كخطوة أولى وعاجلة لمعالجة آثار البطالة براتب شهري خطوة مهمة وأساسية, لكن ذلك لا يغني عن توفير فرص عمل حقيقية وآمنة فيما بعد, وهذا ما تضمنته الأوامر الملكية بشكل مباشر.
لقد غطت هذه الأوامر والقرارات الملكية المصاحبة لعودة الملك لأرض الوطن ولشعبه سالما ومعافى, كثيرا من جوانب المعاناة والقصور في حياة المواطن, ومست بالدعم المباشر احتياجات المواطن المختلفة, وهذه لفتة من ولي الأمر تؤكد حرصه ومسؤوليته عن رفاهية المواطن وجعله مستفيدا ومتنعما بثروات بلاده, لكن تبقى ـــ كما أصر عليه ـــ آلية التنفيذ والتطبيق, التي هي المحك لفاعليتها, وما يبشر بذلك أن ملك الخير والإنسانية طالب بتقارير دائمة لمتابعة الأداء والتنفيذ والتطبيق, وهذا بات مسؤولية الجهات المعنية المطالبة الآن بأن تؤكد جدارتها وفاعليتها بأن تسهل إجراءات التطبيق لا أن تعقدها.
ما حملته الأوامر والقرارات الملكية بدعم معيشة المواطن بقدر غير مسبوق, يتطلب تنشيط الهيئات الرقابية اللازمة لمتابعة الأداء العام في التعامل مع متطلبات هذه الأوامر الملكية الكريمة, وهو أداء اعتراه على مدى السنوات الماضية الطويلة كثير من الترهل والسلبيات والبطء في التفاعل مع المتغيرات, ونشأ تبعا له وفي ظله فساد إداري ومالي تكشف في تعقد مشكلاتنا والفشل في إيجاد حلول لها، أدى إلى إهدار جزء من المال العام دون أن يستثمر في المصلحة العامة.
بقي القول إنه صاحب هذه الأوامر بعض الآراء الشاذة والغريبة والمضحكة, منها مقولة لو أن 110 مليارات ريال وزعت نقدا لكان نصيب الفرد مليونين, ومن أطلق ذلك لا يعرف أبجديات الحساب ولا فهم التنمية الحقيقية, وهناك من تقمص دور المصلح الاقتصادي بقوله إن هذا المبلغ لو صرف على مشاريع عامة لكان أجدى, وهذا قول أغرب, فأصحاب هذه النظرات الضيقة فاتهم أن هذه الأوامر والقرارات استهدفت مختلف الشرائح بدعم مباشر جزء كبير منه دائم ومستمر, وأثرها الإيجابي سيظهر ويلمس حين تطبق وتنفذ.