قرار منع الاستقالات
نشرت صحيفة ''الاقتصادية'' مطلع هذا الشهر (مارس 2011م) إعلان وزير خارجية اليابان سيجي مايهارا استقالته بعد إقراره بتلقيه 450 يورو (2360 ريالا تقريبا)، وقد قام الوزير بإعلان استقالته مقدما اعتذاره للشعب الياباني بعد مضيه في منصبه مدة لم تتجاوز ستة أشهر وعلى الرغم من أن هذا الوزير كان مرشحا لخلافة رئيس الحكومة في حال استقالة الأخير، وفي هذا الشهر استقال وزير الدفاع الألماني كارل تيودور تسو من منصبه على خلفية استعارته لفقرات من بحوث آخرين في رسالة الدكتورة الخاصة به دون أن يشير إلى ذلك، وقد جاء هذا القرار على الرغم من أن المستشارة الألمانية ميركل كانت تؤيد بقاءه في منصبه، كما استقالت وزيرة الخارجية الفرنسية بعد قضائها فقط ثلاثة أشهر في منصبها وذلك على خلفية أخطاء متعلقة بموقفها من ثورة تونس، كما استقال مدير جامعة لندن هاورد ديفيس من منصبه في هذا الشهر بسبب الضرر الذي لحق بسمعة الجامعة، معتبرا أن قبول هبة 300 ألف جنيه استرليني من سيف الإسلام إبن معمر القذافي (كان خطأ)، كما اعتبر ذهابه إلى ليبيا للمساهمة في تحديث مؤسسات النظام المالية (لم يكن قرارا موفقا)، وأخيرا قدم وزير الداخلية الكويتي استقالته بسبب وفاة أحد المساجين من جراء التعذيب أثناء الحجز، وقبل سنوات عدة قدمت وزيرة الصحة الكويتية استقالتها من منصبها بسبب حريق نشب في إحدى المستشفيات في الكويت ما أدى إلى وفاة مريضين، كما قدم وزير النقل المصري استقالته بسبب حادث تصادم قطارين أدى إلى مصرع 18 شخصا وإصابة 36 شخصا، وفي الأردن قدم العام الماضي وزير البيئة الأردني استقالته بسبب تصريحات مسيئة للصحافيين.
إن الأمثلة على تقديم المسؤولين في العالم لاستقالاتهم من مناصبهم كثيرة ومتعددة وما ذكرته أعلاه هو نماذج من الاستقالات حدثت أخيرا على الرغم من أنني لم أتعرض لتلك الاستقالات التي وقعت في تونس ومصر وليبيا جراء ما حدث أخيرا من ظروف ساهمت في إحداث عديد من التغييرات في تلك الدول لكن الهدف من هذا المقال هو تفاوت أسباب تقديم الاستقالة بين مجتمع وآخر فبعض المجتمعات تعتقد أن الاتهام بحد ذاته ــ وبغض النظر عن ثبوته من عدمه ــ يعد سببا للاستقالة، وبعض المجتمعات تعتقد أن وجود حادثة فساد ــ وبغض النظر عن حجمها وطبيعتها ــ سبب وجيه للاستقالة فسواء كان السبب قبول هبة صغيرة كانت أو كبيرة، أو وقوع خطأ من الشخص نفسه أو من أحد العاملين في إدارته أو حتى زلة اللسان فهي أسباب يرى البعض أنها تستدعي أن يقدم الإنسان استقالته منها.
في اعتقادي أن طبيعة المجتمع تفرض على المسؤولين في كثير من الأحيان قيمة المناصب التي يتقلدونها، فالمسؤول في بعض تلك الدول يثق في نفسه ويعتقد أن وجوده في المنصب مسؤولية ويقع على عاتقه واجب يسعى من خلاله إلى أن يضيف شيئا إلى هذا المنصب لا أن يضيف المنصب شيئا إليه، لذلك تجده يحرص على اسمه وسمعته ومكانته في المجتمع قبل كل شيء فإن وجد أن هذا المنصب قد يسهم في تشويه اسمه أو سمعته ولو بشيء قد يعده البعض بسيطا أو تافها بادر فورا بتقديم استقالته حرصا على سمعته واسمه، بل إن البعض لا يكتف بذلك بل يعترف بخطئه ويطلب الاعتذار من مجتمعه على ما وقع منه من أخطاء، أما في بعض المجتمعات فإن قرار الاستقالة للبعض غير وارد على الإطلاق، كيف لا وهو قد وجد نفسه من خلال هذا المنصب وشعر بقيمته بعد جلوسه على ذلك الكرسي فهو يبذل قصارى جهده لكي يبقى على هذا الكرسي أطول فترة ممكنة، ومهما حدث منه أو من فريق عمله من أخطاء فتبقى الاستقالة أمرا لا يمكن أن يخطر على باله.