ليس خوفاً .. بل حباً

ما إن انتهى عصر يوم الجمعة حتى بدأت التعليقات على مجتمعنا من المغرضين والحاقدين, فمنهم من أعلن أن يوم الحادي عشر من آذار (مارس) سيكون يوم العائلة السعودية, إذ إن جميع أفراد العائلة السعودية لزموا منازلهم في ذلك اليوم وأبوا أن يخرجوا منها خوفاً من أن يظن بأنهم متظاهرون، وآخرون وصفوا مجتمعنا بأنه مجتمع خانع اعتاد الذل والهوان وقبل بالمكرمات بدلاً من المظاهرات للمطالبة بحقوقه الشرعية، وبعضهم وصف مجتمعنا بأنه مجتمع جبان يخاف من إعلان رأيه وإظهار احتجاجه فيؤثر السلامة خشية الاعتقال أو الاضطهاد، وكأنه لا يرى الأحرار من حوله في تونس ومصر وليبيا واليمن يقتلون ويشردون في سبيل حريتهم وكرامتهم ومطالبهم الشرعية.
ولكل أولئك نقول "موتوا بغيظكم", فلم يمتنع معظم أفراد المجتمع عن الاستجابة لدعوات الفساد والإفساد والخروج في مظاهرات خوفاً أو رهبة من الاعتقالات، ولا أعتقد أن عدم خروج البعض هو قناعتهم بما صدر من فتاوى شرعية بحرمة المظاهرات أو امتثال البعض لما صدر من تعليمات, لكني أعتقد أن أكبر عامل أسهم في عدم خروج كثير من الناس هو حب هذا الوطن ومليكه ـــ حفظه الله ـــ فعلى الرغم من ذلك التوتر الذي سبق يوم الجمعة، وعلى الرغم من الحيرة والقلق اللذين كانا يسودان مجتمعنا بمختلف أركانه انتظاراً لذلك اليوم, وعلى الرغم من استمرار الاضطرابات المتنوعة في الدول العربية من حولنا، أثبت مجتمعنا ـــ ولله الحمد ـــ أنه مجتمع أصيل لا تهزه مثل هذه الرياح الحاقدة، فهو مجتمع إسلامي ذو جذور راسخة رسوخ الجبال لا يقبل بالفوضى ولا يرضى بالفساد.
لقد حرص أعداء الوطن على استغلال بعض جوانب القصور الموجودة في بعض من القطاعات الخدمية في وطننا مثل التعليم والصحة والشؤون البلدية والقضاء وغيرها من القطاعات الأخرى, كما حرصوا على إبراز عدد من حالات الفساد المنتشرة التي تم من خلالها نهب المال العام، رغبة منهم في أن يستجيب لهم المواطن فيخرج للتظاهر, لكنه حق أريد به باطل، فعلى الرغم من قناعتنا بوجود ذلك القصور, وعدم قبولنا كثيرا من الممارسات التي تقع في الأجهزة الحكومية, إلا أن محبة الوطن ووحدته مقدمتان على كل شيء, وعلاج هذه الأمور لن يكون من خلال الاستجابة لمطالبهم بالتظاهر والخروج في مسيرات, ولن يكون من خلال الفوضى التي يدعون إليها، بل يكون من خلال وقوفنا جميعاً صفاً واحداً أمام هذه المخالفات واتباع الأنظمة وتطبيقها على الجميع, فلا نقبل بظلم ولا نرضى بباطل ولا نؤيد مفسداً ولا نسير خلف فاسد.
لقد جاء يوم السبت وكأنه يوم عيد للمجتمع ، فقد أخذ بعض الناس يهنئون بعضهم بعضا، فالكل شعر بأننا بمحبتنا انتصرنا على عدونا الذي أراد أن يثير الفتنة فيما بيننا، وأن ينشر الفوضى والفرقة بدعوى الإصلاح والمطالبة بالحقوق التي يمكن أن تأتي من خلال طرق مشروعة. ولعلها فرصة عظيمة أن ننتهز هذه التجربة, التي دلت على تكاتف هذا المجتمع وتلاحمه، في أن نحارب كل فوضى في مجتمعنا اليوم وأن نرتقي بأسلوب حوارنا ليكون حواراً منطقياً عملياً له نتائجه بحيث نصل من خلاله إلى علاج كثير من المشكلات التي يعانيها الوطن.
لقد كان يوم الجمعة الماضي يوم وحدة وتكاتف ويوم وفاء من شعب وفيٍّ كريم، لذلك حري بنا أن نبادل هذا الشعب الوفي الوفاء وأن نقدر له موقفه, وأن نبقي هذا اليوم في ذاكرتنا لنحارب به كل مظهر من مظاهر الفساد، وكل مسلك ومنهج من مناهج الضلال، وكل ظالم وحاقد يريد أن يثير الفوضى والفساد في هذا الوطن، وأن نكرم هذا الشعب بإعطاء كل ذي حق حقه .. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي