تحدي البطالة في العالم العربي
يعاني العالم العربي ظاهرة ارتفاع نسبة البطالة، حيث تشير آخر الإحصاءات المتوافرة إلى ارتفاعها من نحو 14 في المائة في عام 2008 إلى 14.8 في المائة في 2009. وربما يمكن اعتبار هذه الزيادة غير مفاجئة كونها تعود لعام 2009, وهي أول سنة كاملة لتجربة ما بعد الأزمة المالية العالمية. لكن ليس من المستبعد تراجع معدلات البطالة عند ظهور أرقام 2010, وذلك على خلفية التعافي المستمر للاقتصاد العالمي لأسباب تشمل استعداد الكثير من الحكومات بينها حكومات عربية لضخ مزيد من الأموال في اقتصادياتها المحلية.
على سبيل المثال، أقرت السعودية, وهي صاحبة أكبر اقتصاد عربي بلا منازع، تخصيص نفقات عامة قدرها 155 مليار دولار لعام 2011, أي بزيادة 7 في المائة على المصروفات المقدرة أصلا للسنة المالية 2010. كما قررت البحرين, التي تعد واحدة من أصغر الاقتصادات العربية, زيادة النفقات العامة بنسبة 9 في المائة لتصل إلى 6.8 مليار دولار في السنة المالية 2011. وتأتي هذه الخطوات في سياق نصائح مجموعة العشرين بتولي القطاع العام دور القيادة لمعالجة الآثار السلبية للأزمة عبر زيادة النفقات.
تباين المعدلات
حقيقة القول، يعاني نصف الدول الأعضاء في الجامعة العربية ارتفاع البطالة عن المتوسط المشار إليه أعلاه, الأمر الذي يعد مثار قلق. وفي التفاصيل، تراوح نسب البطالة بين 50 في المائة في جيبوتي وأقل من 1 في المائة فقط في قطر. أيضا ترتفع نسب البطالة في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسة بسبب تباين مستويات توافر فرص العمل, خصوصا في الدول العربية الكبيرة مثل الجزائر والسودان. كما أن هناك ظاهرة البطالة المقنعة, حيث يعمل البعض في العالم العربي في وظائف لا تتناسب ومؤهلاتهم وخبراتهم بالنظر لمحدودية البدائل، لكن مقابل حاجتهم إلى تأمين لقمة العيش لأفراد أسرهم.
إضافة إلى ذلك، يعاني العالم العربي ظاهرة البطالة المرتفعة في الوقت الذي تشكل القوى العاملة قرابة 42 في المائة من مجموع السكان. تعد هذه النسبة متدنية لحد ما قياسا إلى ما عليه المعدل العالمي, حيث يشكل العمال أكثر من نصف السكان في عدد غير قليل من الدول المتقدمة. ويعود وضع المحدودية النسبية للقوى العاملة مقارنة بمجموع السكان في العالم العربي لأسباب منها انخفاض مستوى توظيف الإناث, حيث الرغبة لدى نسبة غير قليلة لترك فكرة العمل بهدف التركيز على تربية الأسرة.
مسألة الديمغرافية
تنتشر البطالة في صفوف الإناث أكثر منه بين الذكور في الدول العربية بشكل عام. وفي كل الأحوال، تشكل ظاهرة ارتفاع البطالة في أوساط الإناث خسارة اقتصادية نظرا لعدم قدرة المجتمع على الاستفادة بشكل خاص من القدرات التي يمتلكنها. بمعنى آخر، يمكن الزعم بأن نقص التوظيف في أوساط الإناث عبارة عن طاقات معطلة من قبل فئة مهمة حصلت على حقها من العلم وقادرة على العطاء والمساهمة من أجل رقي المجتمع.
يضاف إلى ذلك التحدي الديمغرافي, حيث يشكل الرعايا العرب دون سن 15 نحو ثلث السكان, ما يعني توقع دخول أعداد كبيرة منهم إلى سوق العمل في السنوات المقبلة بحثا عن وظائف تتناسب وتوقعاتهم. أما السواد الأعظم من بقية الثلثين فهم من الناشطين اقتصاديا وبينهم عاطلون. كما يشكل العاطلون العرب, وعددهم نحو 14 مليون فرد, نحو 7 في المائة من مجموع العاطلين في العالم, وهي نسبة جديرة.
نظرة غير تفاؤلية
مع الأسف الشديد، يبدو أن مستقبلا غير متفائل أو غامضا ينتظر العمالة في العديد من الدول العربية، حيث كشف استطلاع لمؤسسة أصداء بيرسلون مارستلر عن أن ثلثي الشباب العرب يخشون ارتفاع نسبة البطالة, فضلا عن نقص المساكن وارتفاع تكلفة المعيشة في المستقبل. المثير بالنسبة لهذه الدراسة وجود تناغم مقارنة بما جاء في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية لعام 2009, الذي أكد وجود 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر لأسباب تشمل معضلة البطالة.
يضاف إلى هذه الحقائق المرة تحدي النمو السكاني وقدره 2.3 في المائة في السنة, الأمر الذي يفسح المجال أمام ارتفاع عدد السكان في الدول العربية مجتمعة من 350 مليونا في الوقت الحاضر إلى 500 مليون في عام 2025. يشار إلى أن الفلسطينيين غير مشمولين في إحصاءات البطالة المشار إليها, وذلك بسبب نقص المعلومات. مؤكدا: ترتفع نسبة البطالة بعض الشيء في العالم العربي بعد إضافة إحصاءات العاطلين في أوساط الفلسطينيين في ظل المعاناة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية, خصوصا في غزة بسبب سياسيات التضييق الإسرائيلية.
ختاما، تعد ظاهرة البطالة أحد الأسباب الرئيسة وراء ظاهرة التطورات السياسية التي تشهدها دول عربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. من جملة الأمور، يطالب المعتصمون, وجلهم من الشباب, بإيجاد حلول لمعضلة البطالة وتعزيز فرص العمل, وذلك في إطار استحداث إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة.