بين جمعة الفتنة وجمعة الخير

1 - يا له من فرق شاسع وكبير ما بين جمعتين، الجمعة التي أريد لها أن تكون فتنة وصدامات تؤدي للفوضى وضرب أمننا وأماننا واستقرارنا، وجمعة الخير والبركة التي أسعد فيها خادم الحرمين الشريفين - حفظه وسلمه الله - كل بيت سعودي بالقرارات والأوامر التي عالجت كل احتياجات المواطن على كل المستويات.
جمعة الفتنة كانت ترمي لضرب أمن المواطن والإضرار باستقرار الوطن تحت ادعاء المطالبة بإصلاحات غواية ومخادعة، وجمعة الخير شدت من شعور المواطن بالأمن وأشاعت فيه الطمأنينة والشعور الحقيقي بالاستقرار بعد أن أصبح العاطل عن العمل في بؤرة الاهتمام بطرق معالجة بطالته، وطالب السكن تفتح له أبواب الأمل لامتلاك سكن يسكنه ليشعر هو وأسرته بالسكينة والأمان، والفساد شكلت له هيئة مرتبطة بالملك شعارها ''كائنا من كان'' سوف تتابع كل فاسد ومفسد، ودعم لكل القطاعات التي تصب في النهاية لتأمين حياة كريمة ورفاهية دائمة لشعب أثبت بالواقع الحقيقي وليس الافتراضي بأن ولاءه لوطنه فوق كل اعتبار وخط أحمر يرفض ويرفض ويرفض تجاوزه مهما كان وممن كان وكائنا من كان، فهنيئاً لهذا الوطن بهذا الشعب، وهنيئا لهذا الشعب بهذه القيادة، وهنيئا للجميع بالجميع.
2- لو سألت كل واحد من عشرة سعوديين هل تطالب وتريد وتؤيد إجراء إصلاحات، لأجاب تسعة منهم ''بنعم'' واضحة وصريحة، ولو سألت نفس هؤلاء العشرة هل تؤيد القيام بمظاهرات للمطالبة بها، لجاء جواب تسعة وتسعة من عشرة بـ (لا) واضحة وصريحة وقاطعة، هل في ذلك تناقض أو خلل بين المطالبة بإصلاحات ورفض المظاهرات ..؟ أجيب بـ (لا) واضحة وصريحة ومطلقة أيضاً.
لم أستند في ذلك إلى إحصائيات رقمية، بقدر ما استخلصتها من رصد يمثل كل التوجهات من طلاب ومثقفين ورجال أعمال وبسطاء من الجنسين أجمعوا على أن الإصلاحات مطلوبة والمظاهرات مرفوضة، ومع هذا فالأيام التي سبقت يوم الجمعة إياها كانت حديث المجتمع كله، وللحقيقة والموضوعية كان هناك تخوف من حصول شيء، والخوف هنا ليس سلبيا بل إيجابي وصحي، لأنه كان يعكس رفضا وليس قبولا، فأنت حين تخاف وتخشى من شيء فلأنك لا تريده وترفضه.
ما يؤكد ذلك أنه على الرغم من أجواء الشحن والانفعال بالثورات الشعبية والمظاهرات والاحتجاجات العربية ضد أنظمتها ونجاح بعضها بإسقاطها وإزالتها من طريقها، وعلى الرغم من بث دعوة واسعة استخدمت فيها كل مواقع التواصل الإلكتروني للشعب السعودي بالتظاهر في يوم محدد سمّوه يوم ثورة ''حنين''، وتوقع وسائل إعلام وترقبها بأن ما يحدث في العالم العربي متوقع أن يجري في السعودية في تلك الجمعة، إلا أن جمعة الفتنة مرت بهدوء شديد ومظاهر عادية جدا لم يغير فيها الشعب السعودي من عاداته في هذا اليوم، فالجميع ذهبوا لصلاة الجمعة ومن ثم تفرقوا, فهناك من عاد لمنزله, وهناك من أخذ عائلته للمطاعم والمتنزهات، ولم يحاول أحد حتى استطلاع الوضع ثقة وشعورا بأن دعوة الفتنة ما هي إلا فقاعة سوف تنفجر في وجه من يسعى لإثارتها.
ماذا يعني ذلك ..؟، يعني أن الشعب السعودي رد أبلغ رد وأشده وضوحاً على تلك الدعوات المشبوهة حين أهملها وتجاهلها.
3- مجتمعنا السعودي مثل كل المجتمعات يتكون من عدة شرائح تختلف في حجمها واهتماماتها ومطالبها، إلا أن كل الشرائح تتفق على أمر واحد, وهو أن أمن المواطن واستقرار الوطن هما الأولوية الأولى والأساسية التي لا يختلف عليها، وأن الإصلاح هو جزء جوهري في ذلك، ولهذا فإن الشعار الذي يرفع اليوم بأن ''وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه'' حقيقي وصحيح، ومن ضمن أدوات حمايته هو إصلاحه لتكون له دعائم تقويه لمواجهة العواصف، ومن هنا يمكن القول إن الجميع استوعب أنه لم يدع للقيام بثورة، بقدر ما كانوا مدفوعين لفتنة في بلاد تنعم بأمن وأمان واستقرار وظروف معيشية جيدة وواعدة بالأفضل، من الجنون هدمها وتخريبها، والإصلاحات, والتي هي مطلب الجميع حتى من القيادة وخاصة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ــ حفظه الله ــ تسير قدما, بداية من إنشاء الحوار الوطني, مرورا بمكافحة الفساد الذي لم يكن أحد يجرؤ على الحديث عنه, وانتهاء بالأوامر الملكية الأولى والثانية التي صبت في إصلاح أحوال الشرائح الكبرى من الشعب السعودي.
4- لو عملنا مسحاً لما نشر وينشر في إعلامنا عن أكثر المطالب، لوجدناها ترتكز على إيجاد حلول للبطالة والسكن والفساد وتطوير الأداء العام والإمكانات في التعليم والصحة والخدمات العامة، وهذه هي مطالب الشريحة الأوسع والأكبر من المواطنين والتي جاءت الأوامر الملكية لتلبيها وتحققها وتضع لها الحلول المنتظرة من خلال هذا الدعم المالي الكبير، وهو جزء مهم من عملية الإصلاح المطالب بها، أما الجزء الآخر المكمل حتى تكتمل الصورة المشرقة - بإذن الله - فهو حين يتم استكمال الإصلاحات بدعم مؤسسات الرقابة والمحاسبة حتى لا يلتهم الفساد مكاسبنا التي تتحقق اليوم على يد ملك ندعو له من قلوبنا بالتوفيق والسداد والصحة والعافية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي