«البزنس» السياسي في الحظر الجوي
1 ـــ لا يختلف على أن العقيد القذافي ونظامه مما لا يؤسف على رحيله, فمن المؤكد أن لا ليبيا ولا الأمة العربية ولا إفريقيا ستخسر وتفقد إلا تهريجه السياسي وانعدام جاذبيته للواقع, فعلى مدى 41 عاما لم يقدم إلا صورة لأعجب وأسوأ الأنظمة العربية والإفريقية وأشدها عبثية وغرائبية وهزلية, ولهذا لم يجد العقيد ونظامه من يدافع عنه ولن يجد.
لكن في المقابل أختلف على قرار فرض حظر جوي على ليبيا, ولم يكن هذا الخلاف دفاعا عن العقيد ونظامه, بل بسبب تركه الباب مفتوحا لاستخدام الوسائل العسكرية اللازمة لذلك, وهذا ما أوجد الحذر والتخوف من استغلال ذلك لأهداف بعيدة عن روح قرار الحظر, وفي الذهن تجربتا أفغانستان والعراق. ومرة أخرى لم يكن هذا الخلاف نتيجة لمبدأ أخلاقي وإنساني بقدر ما هو تحوط من هيمنة أمريكية على بلد نفطي ثان والمكاسب الاقتصادية التي ستنالها وحدها, بينما البقية لا يأتيها إلا الفتات, إذن المسألة برمتها اقتصادية بحتة وليست مبادئ أخلاقية وإنسانية, وإلا لكانت غزة تحديدا والضفة الغربية الفلسطينية أشد حاجة إلى هذه المبادئ.
2 ـــ هذا ما دفع كلا من روسيا والصين وألمانيا إلى الامتناع عن التصويت لمصلحة القرار, واللافت هنا ليس الموقفين الروسي والصيني, بل الموقف الألماني, فعلى الرغم من امتلاك الدولتين القدرة على حق النقض الذي في يديهما ولم تفعلا, خاصة روسيا التي فقدت كثيرا من تأثيرها ومكانتها الدولية, ولحسابات تدرك عدم قدرتها على تحملها, يبقى رفض ألمانيا, وهي الدولة الغربية الكبرى والعضو في حلف الناتو, الأكثر بروزا وتأثيرا من موقفي روسيا والصين, ولم تكتف ألمانيا بالامتناع السلبي, بل سارعت إلى عدم المشاركة العسكرية باتخاذها إجراءات مثل سحب قواتها المشاركة في عمليات الناتو في البحر الأبيض المتوسط وسحب الـ 70 جنديا ألمانيا المشاركين في عمليات استطلاعية بطائرات الأواكس بعد بدء الحلف بمهمة تطبيق الحظر الجوي على ليبيا, وبرر ذلك البروفيسور أود شتاين باخ مدير مركز إفريقيا وآسيا في جامعة ماريوج لموقع ''الجزيرة نت'' ''بأن موقف برلين استند إلى اعتبارات أخلاقية وسياسية ولم يبن على حسابات الربح والخسارة'', وهذا ما ذهب إليه أيضا الدكتور هانز بيتر ماتيس الأستاذ في المعهد الألماني للدراسات العالمية بأن القصف الفرنسي ـــ البريطاني ـــ الأمريكي لعدد كبير من الأهداف في عدة مدن ليبية بدلا من التركيز على منع القذافي من الهجوم على مواطنيه في أجدابيا ومصراته, أعطى فيما بعد المبررات لموقف حكومة أنجيلا ميركل.
وهذا هو بيت القصيد في كل هذا الضجيج الدولي حول ليبيا, فالمعترضون يرون أن قرار الحظر لا يعطي المبرر لشن مئات الهجمات بصواريخ توما هوك ذات القدرة التدميرية الشديدة وعشرات الغارات الجوية على مواقع وقواعد ومقار ليبية ثابتة, وترك قوات العقيد تتحرك بحرية لتهاجم المدن والبلدات التي فيها الثوار, ويستدلون على ذلك بأن هذه الضربات الصاروخية لم توقف وتحد من قدرات العقيد العسكرية, فالثالوث الفرنسي ـــ البريطاني ـــ الأمريكي استهدف تدمير البنية التحتية في ليبيا كما فعل في العراق لضمان عقود تجارية بعيدة المدى وباهظة التكاليف, خصوصا أن ليبيا لديها مخزون نفطي مميز بموقعه ونوعه, أكثر منه تطبيقا لحظر جوي لم يكن يحتاج إلى كل هذه الآلية الحربية التدميرية, فتطبيق الحظر الهدف منه منع العقيد من ضرب شعبه بالطائرات, وهذا ممكن من خلال مراقبة الأجواء الليبية لمنعها وإسقاطها, وتدمير حتى الدفاعات الجوية التي قد تهدد الطائرات المكلفة بتطبيق الحظر, كما جرى مع العراق بعد حرب تحرير الكويت حين فرض حظر جوي شمال العراق وجنوبه, واكتفي فقط وقتها بتسيير القوات الأمريكية والبريطانية جولات جوية لمراقبة تطبيق الحظر.
3 ـــ ليس هناك من شك في أن العقيد ونظامه يشهد الفصل الأخير من مسرحيته, وهذا التطويل والتمطيط لا يعود لقدرات العقيد العسكرية, فقواته وضح أنها تتآكل بانضمام العديد منها إلى الثورة, لكن الثالوث الفرنسي ـــ البريطاني ـــ الأمريكي يريد للمشهد أن يطول حتى يصبح أكثر تشويقا وإبهارا لجني أكثر الأرباح الممكنة بعد أن يضمنوا أن العائد سيكون مجزيا. وأن النفط الليبي سيصبح مرهونا لعقود طويلة, فهذا هو ''البزنس'' السياسي.