سئمتُ تكاليف الحياة .. أية تكاليف يا زهير؟

في كل حدث يقع يُستدعى الشعر، ليكون جزءاً من الحدث، فيُبعث الشاعر من مرقده، وتتداول الناس قصائده، لتكون جزءاً من المشهد الحاضر، ومن أبرز شعراء الحكمة الذين يتمثل الناس بأشعارهم زهير بن أبي سلمى الذي وصف بأنه حكيم الشعراء في الجاهلية، وقيل فيه: كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره، كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة.
زهير بن أبي سلمى اشتهر بمعلقته التي مطلعها ''أمن أم أوفى دمنة لم تكلم'' ، التي تضمنت كثيراً من الحكم، بل وبعض أبياتها يمكن أن توصف بأنها برامج عمل سياسي، على الرغم من أن الشاعر قال هذه المعلقة بعد أن تجاوز الثمانين من عمره.
في هذه المعلقة التي قالها زهير بن أبي سلمى قبل خمسة عشر قرناً، نجد أنه قرر مبدأ الحرب الاستباقية التي لم تُعرف إلا في مرحلة متأخرة، وأعاد تأكيدها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، ولهذا يمكننا القول إن زهيراً هو أول من وضع مبدأ هذه الحرب حينما قال:
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاِحهِ
يُهَدَّمْ وَمَـــنْ لا يَظلمِ الْنّاسَ يُظَلمِ
وإذا كان زهير في هذا البيت يحدد مبدأ من مبادئ الحرب، إلا أن هذا لا يستقيم مع ما أعلنه في أحد أبيات المعلقة عن سأمه مما أسماه ''تكاليف الحياة'' ، التي ربطها ببلوغه سن الثمانين، حيث قال:
سَئِمْتُ تَكالِيفَ الحَيَاةِ وَمَنْ يَعِشْ
ثَمانِينَ حَــولاً لا أَبا لَك يَسأمِ
فمن يقرأ بقية المعلقة يشعر أن زهيراً لم يكن يعاني سأما أو مللا من الحياة، بدليل ما تضمنته بقية أبيات المعلقة من حكم وآراء بعيدة كل البعد عن السأم.
سأم زهير بن أبي سلمى الذي عبر عنه هنا قد يدخل في خانة الترف ، فهو لم يكن يعاني ضيق ذات اليد، أو مرضا أصابه، فقد كان ــ رغم بلوغه الثمانين ــ يتمتع بصحة جيدة، بدليل أنه عاش بعد هذه المعلقة 20 عاماً، كما لم تكن في عصره منغصات عيش مما يعانيه الناس الآن، ولم يكن يخضع لتقنيات تستنزف جيبه، أو تحد من حركته، كما لم يكن في عصره أجهزة إعلام متخصصة في نقل الكوارث والمصائب، وكان يعيش في بيئة بعيدة عن الملوثات والأوبئة والأمراض، وزيادة على ذلك كان يمتلك بيتاً يطل على جهات أربع، يستطيع نصبه في أي مكان يشاء، وكأن الأرض كلها ملكه، ومع كل ذلك يأتي ويقول ''سئمت تكاليف الحياة''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي