وعدك يا سمو الأمير
منذ أكثر من عقد من الزمن، وتحت التأثير السلبي بالعولمة، انتشرت لدينا ظاهرة المسميات الأجنبية للمحال التجارية على حساب المسميات العربية، وكان لي مع كوكبة من الكتاب الغيورين على لغة القرآن، وقفة حيال ذلك دعونا فيها لتصحيح الوضع وعودة سوقنا لهويتنا اللغوية ورفض شيوع هذه المسميات الأجنبية التي تشوه واجهة بلد الحرمين الشريفين ومنبع العروبة، إلا أن صوتنا ذهب مع الريح، وكأن هناك «لوبي» تجاريا قويا يرفض التعريب متجاوزا تعليمات رسمية بذلك ويضرب بها بكل أسف عرض الحائط.
أعود لطرق الموضوع للمرة الخامسة على خلفية ذلك التوجيه الذي أصدره سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة في وقفته الشهيرة في نادي مكة الأدبي في شهر ذو القعدة عام 1431هـ عند إطلاقه ملتقى «المثقافة الإبداعية»، والذي أبدى فيه امتعاضه الشديد للمسمى الأجنبي للقاعة قائلا «لقد لاحظت عند دخولي للمرة الثانية هذه القاعة التي تحمل اسم (ماربيا) أنها تحمل اسما غير عربي، وهذا سر اندهاشي»، ثم أضاف «نحن في أقدس بقعة وفي مهبط الوحي وفي المكان الذي نزلت فيه أول كلمة في القرآن وهي (اقرأ) بحروف عربية، وشهد ولادة آخر الرسل وهو عربي، نقبل لمنازلنا ومبانينا وأماكننا ومؤسساتنا وشوارعنا أن تتوشح بأسماء وحروف أعجمية، لهذا فإنني لا أطالب بتغيير الاسم في هذه القاعة فقط، بل أطالب بالتغيير في مدن ومحافظات المنطقة جميعها»، وتأكيدا على ذلك فقد أعلن وقتها توجيهه لكل محافظي ورؤساء المراكز والبلديات وأمناء المدن ووزارة التجارة، بأن يبدأوا تغيير اللوحات التي تحمل مسميات أجنبية في شوارع جميع مدن ومحافظات وقرى المنطقة بكاملها لتكون عربية، وأعطى لذلك مهلة ستة أشهر وبأنه سوف يحاسب جميع المسؤولين ابتداء من الإمارة إلى الأمانات والبلديات ورؤساء المراكز، هذا الموقف الغيور على لغة القرآن في بلد القرآن وجد وقتها تجاوبا واسعا وترحيبا حارا من المثقفين والأدباء الذين وقفوا مصفقين تأييدا لهذا القرار.
اليوم ولأهمية القضية وصلتها بهويتنا الدينية والثقافية والقومية، نود تذكير سمو أمير المنطقة وصاحب تلك الوقفة الرائعة ومع كامل تقديرنا لمشاغله العديدة، بأن الستة أشهر قد مضت، بل تم تجاوزها، دون أن نلمس أو نرى تطبيقا لتوجيهه على أرض الواقع، فما زالت المسميات الأجنبية وخاصة على أكبر الأسواق والمحال، تتحدى لغتنا وهويتنا وتنتصب أمام أعيننا بنفس مسمياتها الأعجمية، وبعضها يحمل تحديا صارخا للغة القرآن في بلد الحرمين الشريفين، حتى وصل الأمر لتعجيم المسمى العربي مثل مسمى «البحر الأحمر» إلى «رد سي»، بل إنه خلال هذه المدة ظهرت محال جديدة بأسماء غير عربية، ما يعني أن المسؤولين الذين تم توجيههم لم يحركوا ساكنا حيال ذلك وانشغلوا ربما بالمهام اليومية الروتينية عنه، وهذا ليس عذرا، فتوجيه سموه كان واضحا وعلنيا وحدد مدة التنفيذ.
وترتكز أهمية تعريب مسميات المحال التجارية على عدة اعتبارات، أولها أننا بلد هو قاعدة الإسلام وقبلة المسلمين بوجود الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وبلد العروبة ومنبع اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم، فلا يصح ولا يليق ولا يجوز أن تشيع فيه الفرنجة اللغوية وبهذا القدر الفج والمؤذي، وثانيها أن هذا الشيوع غير المبرر لمسميات أجنبية، ليست لعلامات تجارية عالمية، ليس فيه فقط استخفاف بلغة القرآن، بل حرب عليها، وثالثها أن لدينا لغة شرفها الله فكيف نأتي لنحط من قدرها ونهملها ونأتي بلغة أجنبية لتحل محلها ..؟!!
إذا صمتنا وتركنا المسميات في يد تجار همهم الأوحد الترويج لبضائعهم على حساب هويتنا اللغوية، فلن يمر وقت طويل حتى يتحول بلدنا العروبي الإسلامي من عربي القلب واللسان، إلى عربي القلب أعجمي اللسان، ولهذا أقول ما زالت أسواقنا «تتوشح بأسماء وحروف أعجمية» يا سمو الأمير.