مشروع يستحق التنويه

لبّيت مع مجموعة من الأصدقاء دعوة كريمة من رجل الأعمال الأخ إبراهيم السبيعي لزيارة شركة الروبيان الوطنية على ساحل البحر الأحمر بمحافظة الليث جنوب مدينة جدة، وبعد انتهاء الزيارة والجولة التي اطلعنا خلالها على نموذج للمشاريع التي ينتظر من القطاع الخاص القيام بها ذات المضمون الوطني والمردود الاقتصادي الإيجابي، وليست هذه المشاريع الكرتونية باسم الاستثمار الأجنبي والتي بدلا من استجلابها للعملة الصعبة تطردها بتحويلها لبلد المستثمر، نازعتني رغبة وممانعة، أما الرغبة وكانت ملحة فهي أحقية التنويه والتعريف بمشروع اقتصادي وطني كهذا، يدفعها أن مهمة الكاتب ليست محصورة فقط في النقد وتعقب السلبيات، بل أيضا الإشادة بالعمل الإيجابي، سواء في القطاع العام أو الخاص، أما الممانعة فهي خوف الظن بأني أجامل الداعي وأرد له جميل ضيافته مستغلا هذه المساحة للتعبير عن موقف شخصي، إلا أن ما شاهدته وسمعته عن هذا المشروع حسم أمري متسلحا بقيمة هذا المشروع الوطني والاقتصادي المهم.
العبرة في مثل هذه المشاريع ليس فيما تنتجه (لأن هناك من سوف يقول كل هذا على روبيان ..!)، ولكن في مردودها الاقتصادي والتشغيلي واستثمارها في إنتاج سلعة عليها طلب عالمي، فشركة الروبيان الوطنية هي من أكبر شركات الاستزراع المائي باستخدام أحدث الأساليب الصديقة للبيئة على السواحل الصحراوية، وهي مشروع إنتاجي لسلعة غذائية بحرية لها سوق عالمي واسع، وهي الروبيان، حيث يتم استزراعه وإنتاجه بدءا من المفارخ إلى الإنتاج والتغليف في عبوات متقنة بعد المرور بعدة عمليات آلية ومختبرية عالية الدقة والجودة مكنتها من تصدير 70 في المائة من الإنتاج لأكثر من 20 دولة حول العالم على رأسها اليابان بـ 12 في المائة وأمريكا بـ 5 في المائة ولدول أوروبية وآسيوية عديدة، وهذا جانب مهم جدا في تقييم هذا المشروع ومدى إيجابيته الاقتصادية، فنجاحه في التصدير لهذه الدول ولحاجة هذه السلعة الغذائية لجودة إنتاجية فائقة، يعكس قيمة هذا المشروع ومردوده للاقتصاد الوطني، فنجاح مثل هذا المشروع في أن يكون هناك مصنع سعودي ينتج سلعة غذائية بحرية تجد لها سوقا عالمية ويصدر إنتاجه لدول كبرى وذات مواصفات ومقاييس استيرادية دقيقة، يقدم نموذجا للمشاريع الاقتصادية المنتجة وذات المردود الاقتصادي المهم لبلدنا، وهو ما جعل خادم الحرمين الشريفين يصفه حين شرف افتتاحه بأنه رمز للوطنية، وهو فعلا كذلك حسبما شاهدنا على أرض الواقع وسمعنا من القائمين عليه.
بعيدا عن الجانب التقني لهذا المشروع، كان هناك جانب حرصت على الاستفسار عنه لصلته بعملي في مجال التدريب وهو معرفة حجم العمالة السعودية المشاركة في عملية التشغيل، وكم سعدنا جميعا ونحن نسمع من المهندس أحمد البلاع المدير التنفيذي للشركة، وهو شاب سعودي يقدم صورة عن الشباب السعودي القادر على إدارة مثل هذه المشاريع الاقتصادية الكبيرة، بأن المشروع يضم 400 شاب و50 فتاة سعوديين يعمل 40 في المائة منهم في خطوط الإنتاج العملية، وأن هناك مركز تدريب خاصا بالشركة للجنسين لتدريب أيد عاملة رجالية ونسائية ماهرة، وأجمل ما في هذا الجانب هو أن الشركة حرصت على تدريب وتوظيف أبناء وبنات المنطقة الموجودة فيها، وهذه نظرة حصيفة اقتصاديا واجتماعيا وتعكس تفكيرا إيجابيا ومدروسا فيما يعرف بالسعودة.
المفارقة اللافتة للنظر في هذا الكم من السعودة الفنية في شركة واحدة، هي المقارنة ما بين جهود عشرات السنين أهدرنا فيها وقتا وأموالا في كليات ومعاهد وبرامج تدريب فشلت في سعودة ولو جزء من مهن أساسية، وبين شركة واحدة تدرب وتوظف 450 شابا وشابة في فترة وجيزة وبتكلفة لا تقارن بما يدفع هناك، ونستنتج من ذلك أن الفارق هو كيفية برامج التدريب وليس كمها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي