رسائل المراجعين للسوق المالية (مشكلة لفت الانتباه) (3)
ما زلت أتابع قراءة تقارير المراجعين عن التقارير المالية ربع السنوية التي أصدرتها الشركات المساهمة السعودية للربع الأول لعام 2011، وبشكل عام فإن تقرير المراجع إما أن يكون خاليا من التحفظات (نظيفا) أو بلفت الانتباه (قد أضع لها درجة 1 من المخاطر)، أو متحفظ (وهذه لها عدة درجات بحسب نوع التحفظ الوارد فهي تبدأ من 2 حتى 3) وقد يمتنع المراجع عن إبداء الرأي، ويقول ذلك صراحة في تقريره (وهنا تصل الخطورة إلى مستوى مرتفع 4) ورأي معاكس (وهو أخطر الحالات وأعطية درجة 5)، ويمكن الاستفادة من هذا المقياس في تقييم مدى تعرض السوق المالية ككل لتحريفات في المعلومات القوائم المالية من خلال عدد الشركات التي حصلت على درجات أكثر 2 في مستوى تقرير المراجع، وهنا تعتبر المخاطر عالية والتي حصلت على أقل من 2 وهنا المخاطر متوسطة. وبتحليل التقارير المالية عن الربع الرابع نجد أن 32 في المائة من الشركات حصلت على لفت انتباه والتي أضع لها الدرجة (1)، بينما 86 في المائة من الشركات على تقرير نظيف والبعض المتبقي لم يصدر تقريره لظروف مختلفة. وهذا يعني أن درجة الخطر من ظاهرة التحريفات في القوائم المالية في السوق السعودية منخفضة جدا، وهذه أخبار جيدة عموما، لكن ضمن 32 في المائة المذكورة (التي حصلت على لفت الانتباه)، هناك البعض منها يشكل أهمية كبيرة أعلى من غيره، وقد وضحت هذا في المقالات الماضية بالنسبة ''لثمار''، واليوم طرح لشركات أخرى حصلت على لفت انتباه.
فـ ''العربية السعودية للتأمين''، بل كل شركات التأمين حصلت على لفت انتباه بسبب أنها أعدت القوائم وفقا للمعيار الدولي رقم (34) وليس وفقا للمعايير التي أصدرتها الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين (ما عدا ''التعاونية'')، وهذه مشكلة نظامية أكثر منها مشكلة محاسبية، والخلاف هنا يطول شرحه، لكن اللافت في ''العربية السعودية للتأمين'' أنها حصلت على لفت انتباه آخر، وذلك بخصوص الإيضاح رقم (2) الخاص باتفاقية شراء الموجودات وتحويل محفظة التأمين. فلماذا يلفت المراجع النظر إليه؟ وهل كان يكفي مجرد لفت انتباه فقط؟
يقول الإيضاح الذي أقرت به الشركة وقدمته في قوائمها المالية: إن الشركة وبعد موافقة مؤسسة النقد في 2007 تعتزم إبرام اتفاقية شراء الموجودات العائدة لشركة التأمين العربية السعودية المحدودة بناء على تقويم تقبله مؤسسة النقد. وإلى هنا والأمر مقبول وعادي، وقامت بهذا الإجراء جميع شركات التأمين الأخرى التي لها الحالة نفسها، لكن الغريب هو أن الجمعية العمومية وافقت عام 2009 على شراء المحفظة وصافي الموجودات وفقا للبرنامج الذي صدر عن مؤسسة النقد، وأن الشركة تخطط لتحويل الموجودات اعتبارا من الأول من كانون الثاني (يناير) 2009، وستتم عملية التحويل عند إتمام الإجراءات المطلوبة''. انتهى الإيضاح، ومن الملاحظ أنه يظهر وكأن المعلومات توقفت عند عام 2009، ولم تقدم الشركة جديدا حول هذا الموضوع منذ ذلك الحين، أي منذ سنتين حتى الآن. بل إن الإيضاح يظهر كنسخة مكررة من الإيضاحات السابقة عن الموضوع نفسه، (وهذه هي النمطية المملة التي ذكرها القراء) ولفهم الصورة بطريقة أوضح سأنقل القارئ الكريم للفت انتباه مماثل لشركتي تأمين أخريين، وهما الشركة الأهلية للتأمين وأكسا للتأمين، ففي الشركة الأهلية يلفت المراجع الانتباه إلى الإيضاح بشكل مماثل لـ ''العربية للتأمين''، لكن الإيضاح نفسه مفصل ومحدث بطريقة كافية، حيث يوضح أن الشركة قامت باتفاقية شراء (مماثلة لتلك التي قامت بها الشركة العربية) وأن التقييم سيتم بأثر رجعي لعام 2009، (لاحظ كلمة أثر رجعي التي لم تذكر في تقرير ''العربية'')، أي أن التقييم ليس في سنة إتمام الإجراءات المطلوبة التي من المحتمل الانتهاء منها عام 2011 أو بعده، بل سيكون التقييم عن عام 2009، ثم ينتهي الإيضاح أنه وكما في 31 آذار (مارس) 2011 فإن الإجراءات لم تنته بعد (م يذكر لفت انتباه ''العربية'' هذا). بالوضوح نفسه يأتي تقرير شركة أكسا للتأمين. وكذلك شركة ايس وإن لم يتبع المرجع نمطية لفت الانتباه، بل اكتفى بفقرة للملاحظات. ولأن الشيء بالشيء يذكر ففي تقرير شركة المصافي يقر المراجع بملاحظة عابرة عن موضوع القضية المرفوعة من الشركة لاسترداد حق الشركة في زيادة رأسمال شركة أخرى، والقضية مهمة والمبلغ مهم بالنسبة لحجم القوائم المالية للشركة، ومع ذلك فإن المراجع يدرج الموضوع في تقرير بشكل مختلف، فلا هو ضمن فقرة لفت انتباه كما في شركات التأمين، ولا هو ضمن فقرة واضحة معنونة بالملاحظات كما في شركة ايس للتأمين، بل مدمج بطريقة تخفي تلك المعلومة الجوهرية وهنا (في نظري) مخالفة لمعايير المراجعة المتفق عليها. ومرة أخرى تظهر قضية لفت الانتباه والاختلافات في التقييم بين المراجعين، ما يخلق مشاكل مقارنة بين الشركات، التي هي من أهم منتجات علم المحاسبة وفنونه ويخلق لنا كمحللين مشكلة فهم وضع السوق المالية بشكل عام. وفي السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة عدم إبراء ذمة مجلس الإدارة ففي شركة شمس يلفت المراجع الانتباه لذلك، حيث لم يتم إبراء ذمة مجلس الإدارة السابق منذ عام 2006، هنا لفت انتباه ليس له علاقة بالقوائم المالية، بل بمخالفة لنظام الشركات، ولا أعرف لمن يلفت المراجع الانتباه.. هل للهيئة أم الوزارة؟ لأنه منذ عام 2006 وهو يلفت الانتباه لهذه المخالفة ولا أحد يهتم، فإما أن يلغيها وإما أن يستجيب أحد له.
وأخيرا، فمن الملاحظ أن معظم المراجعين يتبعون طريقة فقرة لفت الانتباه مع أن المعيار السعودي الذي صدر للتقرير عن القوائم المالية الأولية لم يذكر شيئا بخصوص ''لفت الانتباه''، بل فقط عن ''فقرة الملاحظات'' التي ترد قبل نتيجة الفحص (التي يجب أن تعنون بفقرة الملاحظات). وعلى كل حال فإن تقرير المراجع رغم نمطيته إلا أنه مسؤولية مهنية، وأيضا فن قد لا يجيده البعض، لكن من المهم أن يعمل المراجع على أن تكون القوائم المالية والإيضاحات دقيقة ومفصلة بشكل كاف، خاصة في الشركات المتعثرة (خاصة تلك الشركات الخاسرة المقيمة سوقيا بأكثر من قيمتها الدفترية)؛ لأنه بناءً على تلك المعلومات ستقوم أطراف عدة باتخاذ قرارات مهمة واستراتيجية.