الثلاثاء, 29 أَبْريل 2025 | 1 ذو القَعْدةِ 1446


هل يعي سماسرة العقار حساسية تجارتهم؟

التحقيق المنشور بين أيدينا يكشف من جديد حالة (التخبط) التي يعيشها القطاع العقاري بسبب فوضى وعشوائية ما يسمى "المكاتب العقارية"، بينما هي "أكشاك" وضعها أصحابها للتربّح والتجمع لـ "السواليف".
لا أملك إحصائية أو معلومة توضح من هم ملاك هذه "الأكشاك" وكم عددهم، ولكن من المؤكد أنهم أناس يسعون إلى "الرزق" بعد التقاعد أو خلال الفترة المسائية، دون أن يعلموا خطورة ما يتعاملون فيه، وما بين أيديهم من أموال، ومدى تأثيرهم في قرارات البيع والشراء على هذا القطاع والضرر الناتج عن اجتهاداتهم في عمليات تجارية تقدر بمليارات الريالات.
السعي لزيادة الدخل مطلوب، ولكن ليس على حساب "جر" القطاع العقاري إلى الفوضى وحرمان الناس من فرص الاستثمار أو التملك فيه، خصوصا أن هذا القطاع يؤثر في نحو 100 نشاط آخر، وبالتالي فإن حساسيته لا تحتمل المخاطرة.
طبعاً المشاركون في التحقيق تطرقوا إلى عديد من مشكلات هذه المكاتب وتأثيرها المباشر في السوق، ولعل من أهمها التقييم والتثمين العقاري بوصفهما يحتاجان إلى متخصصين لديهم شهادات احترافية.
لنعلنها بصراحة.. هل تستطيع هذه المكاتب أن تقوم بالتقييم والتثمين العقاري؟ وهل الأشخاص القائمون عليها أو العاملون فيها لديهم التأهيل المناسب والخبرة الهندسية والفنية التي تؤهلهم لتقييم أرض أو وحدة سكنية؟
للإجابة عن هذا السؤال.. أعود إلى مقال كتبته هنا في 2008 عن هذه المهنة وحساسيتها، حيث ذكرت أن مهنة التقييم العقاري حساسة جداً وأي انحراف بسيط فيها سيوجد أزمة مالية لدينا وسيعمق أزمة الإسكان، بغض النظر عن محفزات السوق أو القرارات التي تتخذ لتهدئة الأسعار وجعلها في متناول الناس.
وقد أكد خبراء تقييم عالميون أن أحد الأسباب التي أشعلت الأزمة المالية العقارية في أمريكا قبل نحو أربع سنوات كان بسبب انحراف بسيط جداً في تقييم العقار!
هذه المهنة تحتاج إلى معايير صارمة لا بد أن تتوافر في الشخص الذي سيشغل وظيفة مقيم عقاري، والحصول على شهادتها عالمياً يتطلب خبرة 15 عاماً، وأن يتخطى اختبارات تحريرية وميدانية تؤهله لذلك، فمصر مثلاً التي بدأت فيها وظيفة مقيم عقاري قبل 50 عاماً، يبلغ عدد المقيمين العقاريين فيها نحو 146 مقيما مجازا فقط بنهاية عام 2008، ليس لأن هذه المهنة غير مجدية، بل لأن نسبة الذين يجتازون الاختبارات لا تتعدى 25 في المائة من عدد المتقدمين للحصول على الشهادة، بينما السوق السعودية توجد فيها الآلاف من المقيمين العقاريين الذين "يخيطون ويبعجون" دون حسيب أو رقيب!
إن ترك التقييم في قطاع بالغ الحساسية بيد أناس غير مؤهلين علمياً ومهنياً من المؤكد أنه سيجعل السوق السعودية "تترنح"، وسيعمق من مشكلات القطاع، الأمر الذي يدعونا إلى تنظيف السوق من هؤلاء حتى نحفظ القطاع العقاري، وأيضا لإزالة التشوهات من مدننا.. ومن أراد "الرزق" من هذه المهنة فعليه أن يدخلها من أبوابها المهنية المتعارف عليها في هذا القطاع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي