التخلص من القنابل
إن أحد الجوانب غير المريحة للجدل الحاصل حاليا على نطاق العالم، هو أن التهديد الذي يشكله 23 ألف سلاح نووي على العالم - وأولئك الذين يصنعون المزيد من تلك الأسلحة أو أولئك الراغبون في استخدامها - يلعب دورا هامشيا في السياسة.
لقد لفت الرئيس الأمريكي باراك أوباما انتباه العالم عندما ألقى كلمة في براغ في سنة 2009، والتي قدم فيها حججا قوية من أجل إثبات أهمية التوصل إلى عالم خال من الأسلحة النووية، ولقد قام أوباما فعليا بالتوصل إلى معاهدة جديدة وكبيرة للحد من الأسلحة مع روسيا، كما قام باستضافة قمة تهدف إلى الحد من إمكانية أن تتعرض الأسلحة النووية والمواد النووية للسرقة أو للتحويل.
لكن القضايا النووية لا تزال لا تحظى بصدى وأهمية سياسية. إن أي شخص يراهن على قيام مجلس الشيوخ الأمريكي في أي وقت قريب بالمصادقة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لا بد أن يكون مقامرا شجاعا.
إن فيلم الحقيقة المزعجة فاز بإحدى جوائز الأوسكار ونتج عنه فوز آل غور بجائزة نوبل، كما كان هناك اهتمام عالمي كبير بالتأثير الكارثي للتغير المناخي. لكن الفيلم الوثائقي العد التنازلي للصفر هو أيضا فيلم وثائقي قوي أنتجه نفس فريق الإنتاج ويتحدث بوضوح عن كيف اقترب العالم ولمرات عديدة لكارثة نووية، قد مر مرور الكرام دون أن يترك أي أثر.
إن الشعور الخادع بالرضا عادة ما يتفوق على الشعور بالقلق في كل مكان تقريبا. إن كارثة فوكوشيما باليابان قد نتج عنها جدل كبير يتعلق بسلامة الطاقة النووية ولكن ليس الأسلحة النووية. يبدو أن الخوف من محرقة نووية قد انتهى بانتهاء الحرب الباردة.
يبدو أن هيروشيما وناجازاكي قد وقعت قبل زمن بعيد فلقد نشأت دول نووية جديدة دون أن ينتهي العالم، كما لم يشكل أي جهاز نووي إرهابي تهديدا لأية مدينة كبيرة ويبدو أن امتلاك الأسلحة النووية بالنسبة للدول التي تملك مثل تلك الأسلحة مصدر للراحة والفخر بدلا من أن يكون مصدرا للقلق أو الإحراج. إن الجيل الحالي من القادة السياسيين مع استثناءات قليلة يظهرون اهتماما بسيطا في نزع السلاح أو منع الانتشار، كما أن شعوبهم لا تضغط عليهم للتصرف بطريقة مغايرة.
إن هناك قليلا من الناس عملوا من أجل جعل العالم يتخلص من هذا الشعور الخادع بالرضا أكثر من أربعة أشخاص يعتبرون من أقوى الواقعيين الذين تولوا مناصب عامة وهم وزيرا الخارجية الأمريكية السابقين هنري كيسنجر وجورج شولتز ووزير الدفاع الأمريكي السابق ويليام بيري وعضو مجلس الشيوخ سام نان. لقد قام هؤلاء في سلسلة من المقالات خلال السنوات الخمس الماضية بإطلاق جرس الإنذار من أجل التحذير من أن مخاطر الأسلحة النووية هي أكبر من أية استفادة محتملة ضمن البيئة الأمنية الحالية. لقد قام هؤلاء أيضا بالدعوة إلى إعادة التفكير بشكل كامل باستراتيجية الردع من أجل التقليل من الاعتماد على أكثر الأسلحة التي تم اختراعها تدميرا وأقلها تمييزا ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إزالتها.
لقد عقدت ''عصابة الأربعة'' في الأسبوع الماضي في لندن اجتماعا خاصا مع كبار الباحثين من مراكز البحث، إضافة إلى نحو 30 وزير خارجية ودفاع وجنرالات وسفراء سابقين من أرجاء العالم والذين يشاطرونهم خوفهم والتزامهم. لكن كان معدل أعمارنا أكثر من 65 سنة، ولقد وصف وزير الدفاع البريطاني السابق ديس براون حدود فاعلية المجتمعين بشكل جيد حيث قال: ''الأشخاص الذين كانوا مهمين يريدون بحق أن يعالجوا هذه القضية. إن المشكلة هي أن الأشخاص المهمين حاليا لا يريدون عمل ذلك''.
لا يوجد حل سريع لهذه القضية. إن جعل الرسائل التي نشأت من اجتماع لندن جزءا من الضمير الشعبي والسياسي سوف تكون عملية بطيئة وصعبة. لكن الرسائل تحتاج إلى أن تجلب الانتباه وببساطة يجب علينا الاستمرار في المحاولة.
إن أول رسالة هي أن التهديد الذي تشكله كارثة أسلحة نووية لا يزال حقيقيا بشكل يثير المخاوف. إن المخزونات الحالية الموجودة في العالم لديها تأثير مدمر يعادل 150 ألف قنبلة هيروشيما وفي التعامل مع تلك المخزونات هناك إمكانية قائمة لحدوث خطأ بشري أو خطأ في النظام أو سوء الحكم تحت الضغط.
إن موضوع باكستان ضد الهند هو صراع مدمر ممكن الحدوث كما أن كوريا الشمالية وإيران لا تزالا من مصادر القلق المتقلبة. نحن نعرف أن المجموعات الإرهابية لديها القدرة على صنع الأجهزة النووية، ويمكن أن تفجرها في أي مكان تريده، ونحن ليس بإمكاننا أن نمنعهم إلى الأبد من الحصول على المادة الانشطارية التي يحتاجون إليها كوقود لتلك الأجهزة.
إن الرسالة الثانية هي أن عقيدة الردع النووية للحرب الباردة ليست ذات صلة في عالمنا اليوم وكلما بقيت الأسلحة النووية كلما تمكنت الدول من تبرير الإبقاء على الحد الأدنى من قدرة الردع النووي. لكن بالإمكان عمل ذلك بدون أن تكون الأسلحة في حالة التأهب القصوى ومع تخفيض الترسانات بشكل كبير في حالة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وعلى أسوأ تقدير الإبقاء على المستويات الحالية فيما يتعلق بالدول النووية الأخرى.
إن الرسالة الثالثة هي أنه لو أرادت القوى النووية الحالية فعلا أن تمنع الآخرين من الانضمام لناديها، فإنه ليس بإمكانها الاستمرار في تبرير امتلاك أسلحة نووية كوسيلة حماية لأنفسها أو لحلفائها ضد أسلحة الدمار الشامل الأخرى وخاصة الأسلحة البيولوجية أو الأسلحة التقليدية. إن أصعب قضية تعيق التحرك الجاد تجاه نزع السلاح - مثل في قضية باكستان ضد الهند وروسيا والصين ضد الولايات المتحدة الأمريكية - هي قضية انعدام التوازن في الأسلحة التقليدية، علما أن أساليب التعامل مع تلك المسألة يجب أن تكون على قمة أولويات برنامج العمل السياسي.
إن الرسالة الأخيرة هي أن التغيير التدريجي والشعارات لن تحل شيئا. إن نزع السلاح النووي وعدم الانتشار ومكافحة الإرهاب وخفض خطر الطاقة النووية للأغراض المدنية هي مرتبطة بشكل غير قابل للانفصام وهي تتطلب التزاما مستداما ببرنامج عمل شامل وحجج مفصلة. إن من غير المحتمل أن تؤدي الكلمات المختصرة الرنانة ورسائل التويتر إلى الخلاص النووي.
إن كيسنجر هو رمز مثالي. إن من المفيد دائما الاستماع إليه وخاصة عندما يتكلم عن السؤال الذي بقي يردده لسنوات وهو: عندما تحصل الكارثة القادمة المتعلقة بالأسلحة النووية وهي سوف تحصل بالتأكيد، سيتوجب على العالم أن يتعامل معها بشكل دراماتيكي. فلماذا لا نبدأ الآن؟
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2011.