تغيير الهوية العربية
أعتقد أن أكثر ما كان لافتا ومستغربا في خطاب الرئيس أوباما الأخير الموجه للعالم العربي هو تكرار إشارته للدول العربية بـ ''دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط''، ولا أظن أن ذلك حدث سهوا أو جهلا بل قصدا وتعمدا، ويلاحظ أنه في السنوات الأخيرة كثر تداول هذا المسمى في تسمية منطقتنا العربية في كثير من الدوائر الغربية سياسيا وإعلاميا، وأهمها وزارة الخارجية الأمريكية التي أصبحت تستخدم هذا المصطلح الجديد لإطلاقه على الوطن العربي، فما المقصود من ذلك؟
الوطن العربي أو العالم العربي مصطلح سياسي يطلق على هذه المنطقة ذات التاريخ واللغة والثقافة والدين المشترك، والواقعة ما بين المحيط الأطلسي غربا وبحر العرب والخليج العربي شرقا بطول ستة آلاف كيلو متر وعرض يقدر بأربعة آلاف كيلو متر، وعدد سكاني يتجاوز 338 مليون نسمة، وهو مسمى ومصطلح ترسخ لكونه يمثل كتلة جغرافية متصلة بهوية قومية مشتركة لمكونه السكاني، وهذا المشترك الديموغرافي كون شعورا قوميا جامعا يتبدى مع الأحداث والأزمات كما حدث في العدوان على غزة مثلا، واعتبار القضية الفلسطينية قضية قومية.
الشعور العروبي الجامع للشعوب العربية من المحيط للخليج مثل دوما هاجسا لكل القوى الطامعة في ثروات الوطن العربي ومنها موقعه الجغرافي الاستراتيجي، ولهذا برزت منذ أوائل القرن الماضي محاولات حثيثة لفك وحدة الشعور العربي بدءا من محاولات القضاء على وحدة العرب اللغوية من خلال تشجيع استخدام اللهجات العربية المحكية، بحجة حل صعوبة اللغة العربية، وتطويرها لتحل محل اللغة العربية الفصحى لعزل الشعوب العربية عن بعضها البعض لغويا، أو استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية لمحاربة الجامع الديني ممثلا في القرآن الكريم حتى لا يستطاع قراءته بلغة عربية فصحى، وكان الهدف من ذلك هو إزالة وجود لغة جامعة ورابطة للعرب جميعا، إلا أن هذه المحاولات كان مآلها الفشل دوما، فقد تمسك العرب بلغتهم إلى درجة استعادتها في دول المغرب العربي بعد زوال الاستعمار الفرنسي ومعه الفرنسة التي سعى من خلالها لإحلال اللغة الفرنسية محل اللغة العربية.
اليوم تبرز محاولة جديدة مختلفة ولكنها وفي نفس المسار ولنفس الهدف والغاية وبطريقة ملتوية من خلال تغيير مسمى الوطن أو العالم العربي لـ ''دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط'' ، كما فعل الرئيس الأمريكي في خطابه الأخير بكثرة، بدلا من مسمى يضفي على المنطقة هوية قومية واحدة، فهو حتى لم يستخدم مصطلح ''العالم العربي'' الذي يصفه البعض بمصطلح وضعه الاستعمار البريطاني بديلا لمصطلح ''الوطن العربي'' لذات الغاية والهدف.
الهدف من ذلك واضح ولا يحتاج لكثير فطنة وذكاء، فالغاية من تغيير مسمى المنطقة الذي يعبر عن وحدتها الثقافية وهويتها القومية هو لإلغاء الصفة العربية منها، وتقسيمها لجزءين لا رابط بينهما أحدهما هويته إفريقية والآخر شرق أوسطية.
الغريب أننا لم نجد جهة عربية واحدة وخاصة جامعة الدول العربية تعترض على هذا العبث بهوية الوطن العربي وترفض تسميته بمجرد دول شمال إفريقية وشرق أوسطية من قبل آخرين يريدون تغييرها بل وإزالتها، ولا يقول لنا أحد إن ذلك مجرد مسمى ولا غير، فالمسميات وخاصة السياسية والإعلامية هي مفاهيم ومصطلحات لها دلالات مهمة، ولهذا وجدنا إيران مثلا تثير الضوضاء والصخب من أجل تسمية الخليج العربي بالفارسي، فهل الأهم مسمى خليج أم أمة كاملة يراد حتى سلب هويتها الجغرافية على الأقل..!!؟.