الخصومة الإعلامية.. «السعودية» نموذجا
تختلف وجهات النظر من شخص لآخر، كما تختلف فئات المجتمع في موافقتها ورفضها لكثير من القرارات وتقديرها لمستوى الخدمات التي تقدم اليوم من قبل الدوائر الحكومية، وينتقل هذا الاختلاف بين فئات مختلفة حتى إذا ما وصل إلى الإعلاميين تفاوتت ردود الفعل بشأنه، فمنهم من يعتبره خبرا عابرا لا قيمة له وآخرون يجدونه حبكة إعلامية وإثارة مهمة يمكن أن يبنى منها قضية رئيسية كبرى وآخرين يتحفظون على إبداء الرأي حرصا منهم على توازن المصالح.
تخوض (الخطوط الجوية السعودية) اليوم سجالا إعلاميا بشأن مستوى ما تقدمه من خدمات وهذا السجال ليس الأول لها ولن يكون الأخير فرضا الناس عن الخدمات غاية لن تدرك سواء من قبل الخطوط أو من قبل غيرها من الجهات التي تقدم خدماتها للجمهور ولكن هذا لا يعفي تلك الجهات من السعي لكسب رضا الناس وأن تبذل ما في وسعها من أجل تحقيق هذا الهدف وبأعلى نسبة ممكنة، أما بالنسبة للإعلام فمن وجهة نظري أن الدخول في خصومة معه لن يجدي أي طرف من أطراف القضية، فكلنا يعرف أن الوسائل الإعلامية تتمتع بروابط مشتركة، فمن يعمل في الصحافة لديه صلات بكتاب الأعمدة اليومية وأخرى بمن يعمل في القنوات الفضائية والإذاعات وغيرها من الوسائل الإعلامية الأخرى، وبغض النظر عن صحة وجهة نظره وحقيقة ما لديه من معلومات فهو يملك وسائل تأثير لا يملكها الطرف المقابل ما يجعله أقدر على بيان حجته من الآخر وإن لم تكن صحيحة.
ولا تنحصر قضية الخصومة الإعلامية على مستوى خدمات دوائر حكومية بل قد تصل إلى مستوى أنظمة حكم في دول عربية، وكلنا رأى خلال الأشهر الماضية كيف كان لتلك الخصومة الإعلامية لبعض تلك الأنظمة مع بعض القنوات الفضائية تأثيرها الكبير في حشد الرأي العام ضد تلك الأنظمة ليس فقط على مستوى مواطني تلك الدول بل وفي العالم العربي أجمع، الأمر الذي جعل تلك الأنظمة تسعى إما لاعتقال مراسلي تلك القنوات أو حتى اللجوء إلى تصفيتهم.
وللأسف فإن بعض المسؤولين اليوم يسعى إلى الدخول في خصومة مع بعض الوسائل الإعلامية بسبب تصريحات قد تظهر من قبل محررين لديهم مصادر معلومات غير دقيقة، ويعمد ذلك المسؤول إلى مواجهة تلك الأخبار وتكذيب مصدرها بل ومقاطعة الوسيلة الإعلامية ومهاجمتها والتشكيك في مصداقيتها، وقد يكون ذلك المسؤول محقا في تجني تلك الوسيلة الإعلامية بشأن عدم صحة ما أوردته من أخبار ولا يقبل بتصحيح الوسيلة للخبر في اليوم التالي أو نشرها لوجهة نظره ويسعى للدخول في مواجهة مع تلك الوسيلة ومقاضاتها والتشهير بها.
واليوم نحن نعيش فوضى في جانب الخصومة الإعلامية، فقد نجد أحد الإعلاميين يقع بينه وبين أحد المسؤولين الحكوميين موقف ما لا يقبله ذلك الإعلامي، فتبدأ التحقيقات الصحفية السلبية تنشر بشأن دائرته مدعومة بمقالات من كتاب بعض الأعمدة ومصاحبة بتحقيق مصور من قبل بعض القنوات الفضائية وقد تكون هناك حملة مرافقة من خلال الفيسبوك، ويتواصل الهجوم الإعلامي من خلال تزويد ذلك الإعلامي ببعض الأخبار السلبية من قبل بعض منسوبي تلك الدائرة الحكومية الذين يشعرون بأنهم مضطهدين فيعمدوا إلى تقديم بعض الوثائق والمستندات لكشف مزيد ومزيد من تلك الأخبار السلبية ولا تقف تلك الحملة إلا من خلال اتصال يتم من قبل جهة عليا بوقفها أو من خلال تسوية ما يصل إليها الطرفان!
في اعتقادي إننا نحتاج إلى توازن واعتدال من قبل الطرفين، فعلى وسائل الإعلام أن تتحرى الدقة والصواب فيما يتم نشره من أخبار وأن تسعى إلى المحافظة على مصداقيتها كأولوية بعيدا عن أخبار الإثارة وأن تحاسب كل من قدم معلومة غير صحيحة ويكون لديها الشجاعة الكاملة في إبراز هذا الأمر، وفي المقابل على المسؤولين أن يتعاملوا مع الأخبار المنشورة غير الصحيحة بهدوء واعتدال والسعي نحو حلول إيجابية تعود على المجتمع بالفائدة وتوفير الوقت والجهد والمال لتطوير مستوى الخدمات بدلا من إثبات وجهات النظر، أما الدخول في سجال ومشاحنة فلا أعتقد أنها ستفيد أي طرف من الأطراف.