ابحثوا عن المستفيدين
من يزور مدينة جدة هذه الأيام يجدها كما قيل أشبه ما تكون بورشة عمل، فالحفر منتشرة في معظم طرقها وبأحجام مختلفة مما يسهم في زيادة الزحام، والمطبات تتوزع بأشكال متنوعة منها الطبيعي ومنها الصناعي، ومن يقود السيارة في شوارعها يجب أن يكون ماهراً في القيادة حتى يستطيع تجاوز تلك المطبات، وللأسف فإن البعض يبذل جهده في ذلك لكنه يفاجأ بالاصطدام بسيارة بجواره مما قد يؤدي إلى حادث مروري أليم، فأعان الله زوارها وليتحملوا شوارعها هذه الفترة كما تحملها أهاليها سنوات عدة فحفر مشاريع جدة منذ فترة تكاد لا تنتهي وإن انتهت فقد تعود مرة أخرى ولكن من خلال مشروع مختلف غير المشروع السابق وقد تكون من خلال المقاول نفسه!
لقد اعتدنا في مدينتنا الجميلة أن نستيقظ فنجد الحفر أمامنا، وفي الوقت نفسه اعتدنا ألا نسأل ما سبب وجودها، ليس لأنه ليس لنا حق في السؤال بل لأن كثيرا منا أصبح يفرح عندما يرى هذه الحفر فهي في اعتقاده أنها إما لمشروع يتبع شبكة الصرف الصحي أو شبكة المياه أو الهاتف أو الكهرباء أو تصريف مياه السيول والأمطار أو توسيع الطرق أو إنشاء الكباري والأنفاق وجميع ما سبق هو حلم يتمناه كل فرد في مدينة جدة، فما إن يرى بعض مؤشرات ذلك الحلم تظهر من خلال تلك الحفر فعليه أن يفرح ولا يبدي أي تضجر على الرغم من أن تلك الحفر قد تكون أمام باب بيته فلا يستطيع الدخول إليه بسهولة أو تكون أمام متجره فتمنع عنه كثيرا من الزبائن مما قد يؤدي إلى إغلاق متجره خلال تلك الفترة أو قد تكون في الطريق الذي يسلكه إلى عمله مما قد يؤدي إلى زحام يومي يتطلب منه التبكير في الخروج، إلا أن كل ذلك يهون في سبيل مدينته وفي سبيل رؤية تلك المشاريع على أرض الواقع ليستفيد منها أهالي جدة، ولذلك فعلى المواطن أن يتحمل هذه الفترة، التي حرصت الشركات التي تقوم على تلك المشاريع أن تضع على تلك الحفر لوحات كتب عليها (نعمل من أجلكم ونأسف لإزعاجكم).
ليست القضية محصورة في موضوع الحفر أو تأخر الانتهاء من المشاريع أو غيرها من القضايا التي تعانيها المدينة ولكنها قضية واقع مرير تعيشه جدة يكاد يشمل الخدمات الموجودة كافة منذ عشرات السنين ولم يتغير، والسؤال الذي يئست من أن أجد إجابةً عنه: من المستفيد من كل هذا العبث؟ من المستفيد من انتشار شاحنات المياه (الوايتات) حتى أصبحت معلماً من معالم المدينة فلا تكاد تسير في طريق إلا وتجدها فيه؟ من المستفيد من جعل شاطئ جدة منطقة ضيقة تحجب تارة من خلال الأبراج السكنية وتارة من خلال مشاريع التطوير التي لا تنتهي وإذا ما وجدت مساحة تنظر فيها إلى الشاطئ هاجمتك الخيول والبغال والدبابات؟ من المستفيد من تلك العمالة المنتشرة في كل أحياء جدة حتى أصبح أهلها غرباء بينهم وأصبحوا يسيطروا على كثير من قطاعات التجزئة؟ من المستفيد من انتشار شبكات التسول عند تقاطعات الطرق في أبشع مظهر من مظاهر الحضارة؟ من المستفيد من تلك الأحياء العشوائية التي نشأت وننفق اليوم مئات الملايين لنعمل على تطويرها؟ من المستفيد من فقدان الثقة في صكوك الأراضي في المدينة، التي كثيرا ما يعاني أهلها تبعات وجود أكثر من صك للأرض الواحدة؟ من المستفيد من وجود مثل هذا المطار اليوم في مدينة جدة؟ من أولئك المستفيدون، الذين يسرقون في كل يوم حلم أهالي جدة ويخيبون ظنهم ويقضون على آمالهم وطموحاتهم في أن يعيشوا حياة كريمة من خلال خدمات أساسية توفر لهم من قبل الدولة؟
أنا أنظر إلى مدينتي الجميلة وأسأل نفسي: كيف يمكن أن أساهم في إيجاد حل عملي لكل تلك المشاكل التي تعانيها هذه المدينة، وخصوصاً أنها لا ترتبط بجهة واحدة بل بعدة جهات، وفي رأيي أن الحل الأمثل هو في القضاء على المستفيدين من وجود تلك المشاكل فهم كالفيروسات التي سببت تلك الأمراض التي أنهكت جسم هذه المدينة، ومتى ما استطعنا كشف تلك الفيروسات والقضاء عليها ستتماثل المدينة للشفاء وسيتحقق الحلم الذي يتمناه أهالي جدة، وهو حلم بسيط يتلخص في كلمتين (الحياة الكريمة).