صرخة السجناء العرب من خلف قضبان السجون الإيرانية
من أجل إنعاش الذاكرة العربية لما يتعرض له السجناء من الجنسيات العربية وعرب الأحواز في السجون الإيرانية من تجاهل إعلامي وعدم اكتراث من قبل بلدانهم العربية، ننقل معاناة بعض السجناء العرب الذين مروا بظروف الأسر في السجون الإيرانية، حيث تحولت معتقلات العرب في إيران إلى قبور يُعذب ويُجلد فيها المعتقلون العرب من شتى الجنسيات، فقد تعيد المناشدة التي واجهها السجناء العراقيون في السجون الإيرانية إلى الأذهان مذكرات الأسرى العراقيين في أثناء حربها مع إيران، وإنّ معاناة هؤلاء وغيرهم من السجناء العرب في السجون الإيرانية التي رافقتها مشاهدات من قبل بعض الذين عايشوا هذه الظروف خلف القضبان تستحق المتابعة والاهتمام الإعلامي ومتابعة المنظمات المعنية بحقوق الإنسان لما يتعرض له السجين العربي في السجون الإيرانية من إذلال ومعاناة منقطعة النظير.
هناك العديد من العرب خاصة الفلسطينيين الذين يتوافدون نحو طهران لإكمال دراستهم في الجامعات الإيرانية، حيث يخضعون لضغط أو إغراء السلطات الإيرانية لتغيير مذهبهم أو العمل للمخابرات الإيرانية، ومن ثم يُلقى القبض على بعضهم، إما بسبب رفضهم أن يصبحوا عملاء، أو لتجاوزهم الخطوط الحمراء للنظام الإيراني، فيروي ''نادر كريمي جوني''، وهو أحد الصحافيين الإيرانيين المعتقلين مع عدد من المعتقلين الفلسطينيين مشاهداته، حيث يقول: ''ثمة عدد كبير من الفلسطينيين يتوافدون إلى إيران بسبب إلحاح الممثليات الدبلوماسية والمراكز الثقافية الإيرانية في الخارج لإكمال دراستهم الدينية في الحوزات أو الجامعات الإيرانية، ويقيمون لسنوات عدة في إيران، ومن هذا المنطلق يتم تجنيد عدد منهم للعمل جواسيس ضد المنظمات الفلسطينية أو السفارات العربية العاملة في طهران أو الدول العربية، ويتعرضون للضغط لكي يتحولوا إلى عملاء لإيران''.
ثم يروي كريمي مشاهداته في السجن مضيفًا؛ كان هناك فلسطيني معنا في سجن إفين مرّ بتجربة مشابهة يدعى أيمن أبوخميش، وهو طالب دكتوراه فرع التاريخ الإسلامي في جامعة ''تربيت مدرس'' الإيرانية، وقام بتغيير مذهبه ليصبح بعد ذلك شيعيًا أرغمته السلطات الإيرانية على التجسس ضد السفارات العربية في طهران لصالح وزارة المخابرات الإيرانية، لكن رغم كل ما قام به وبسبب عدم رغبة السلطات الإيرانية في عمله كان جزاؤه ـــ جزاء سنمّار ـــ أن ألقي القبض عليه وقضى مدة 15 شهرًا في السجن، ومن ثم تم طرده من إيران بعد انقضاء محكوميته.
كان بعض السجناء العرب الذين كنت معهم شاهدًا حيًا (أيمن أبو خميش، وليد مصطفى حامد المصري و...)، حيث يتعرض هؤلاء إلى أشد التعذيب والممارسات غير الإنسانية بسبب انتماءاتهم أو التهم التي توجه ضدهم، وهي لا تمت للواقع بصلة، فكان وليد مصطفى حامد المصري يعاني الأمَرَّين بسبب انتمائه العائلي، وكذلك كونه يحمل جواز سفر إسرائيليًا، أضف إلى كل ذلك أنه لا يتقن الفارسية، وبسبب كل هذا كان ولا يزال يتعرض إلى تعذيب وضرب يومي من قبل السجّان والسجناء الإيرانيين على حد سواء، حيث كان وليد وهو ابن مصطفى حامد الذي يعرف باسم أبو الوليد المصري عضو سابق في تنظيم القاعدة، وهو بدوره محتجز في إيران، حاله حال العشرات من الأفغان العرب الذين فروا من أفغانستان، بعد سقوط طالبان، وهم الآن في السجون، وأن عائلاتهم قيد الإقامة الجبرية، تحت قبضة الحرس الثوري الإيراني، كان وليد يُشتم يوميًا من قبل السجان ويضرب لأسباب عدة.
كان وليد، حسبما أخبرني وهو في السجن، طليقًا في طهران، ويبحث عن عمل بعد هروبه وعائلته من أفغانستان إلى إيران، وسكناه في طهران، ولم يجد، وحاول أن يبحث عن حل لطفليه من زوجته الباكستانية وأشقائه ووالدته، لكنهم اعتقلوه بعدما كان في أحد شوارع طهران وهو في حالة سكر، وقضت عليه المحكمة بالحكم خمس سنوات مع الأعمال الشاقة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وحمله أشياء أثرية عبارة عن مسكوكات تاريخية لا تقدر بثمن، صادرتها السلطات الأمنية الإيرانية، ويقول إنه جلبها معه من أفغانستان، لكن لم يشفع له ذلك فقضى وليد خمس سنوات في السجن، وعلى الرغم من ذلك لم تفرج السلطات الإيرانية عنه حتى الآن، وهو موجود في طهران في سجن إفين قاطع ثمانية في عنبر المعتقلين الأجانب الذي يضم عددًا كبيرًا من السجناء العراقيين المنتمين لحزب البعث العراقي وأسرى الحرب العراقية ـــ الإيرانية الذين قبعوا في السجن منذ التسعينيات والثمانينيات، وكذلك عدد من السجناء المصريين وبقية الجنسيات العربية وذلك باتهامات مختلفة.
تستغرب عائلة وليد المصري تجاهل قناة ''الجزيرة''، التي عمل أبو وليد مديرًا لمحطتها في قندهار في الفترة ما بين 1998 و2001، ولأبو وليد المصري المعتقل في إيران أكثر من كتاب، بينها ''الأفغان العرب'' و''ثرثرة فوق سقف العالم''، وعمل مراسلاً لعدة جرائد ومجلات إماراتية، من بينها ''الاتحاد'' و''الوثبة''، قبل أن يعمل في قندهار مديرًا لمحطة ''الجزيرة''.
يصف أحد المعتقلين العراقيين في السجون الإيرانية بعد إطلاق سراحه قصة اعتقاله بهذا النحو؛ ''بعد أن انقطعت بنا السبل في القبور التي نعيش فيها، قد نسينا وجوه أفراد عوائلنا ولم نعد نعرف الميت منهم من الحي، هناك سجناء لا يعلم أحد بأمرهم، ويُعدُّ العراقي عقيل صالح الذي أُلقي القبض عليه منتصف العام الماضي على ظهر سفينة صيد خشبية أحد القلائل الذين حالفهم الحظ بالخروج من السجون الإيرانية بعد إطلاق سراحه أواخر العام الماضي من سجن ''سبيدار'' الواقع في إقليم الأحواز جنوب إيران. ويروي صالح ملابسات اعتقاله فيقول: إن دوريات حرس الحدود الإيرانية أخذته من داخل المياه الإقليمية العراقية، ولم يكن هناك من يردعها، ويضيف: الإيرانيون بإمكانهم التوغل في المياه العراقية وبلوغ أي نقطة فيها، فهم اقتحموها نحو نصف ميل وأوقفوا سفينتنا وألقوا القبض على الطاقم، لقد كنا ستة صيادين وقتها، ويتابع صالح: ''القضاء الإيراني اتهمنا بتجاوز الحدود، وحكم علينا بالسجن لمدة سنة ثم قلصت محكمة التمييز المدة إلى 100 يوم، ولم نبلغ بقرار الحكم إلا بعد أسابيع من صدوره، وهكذا بقي مدة أطول داخل السجن''.
أيضًا هناك العديد من العرب الذين كانوا معتقلين في سجن إفين في قاطع 209 التابع للمخابرات الإيرانية من جنسيات عربية بتهم علاقتهم بمنظمات إرهابية مثل القاعدة، ويتم نقل هؤلاء بعد فترة يقضونها في السجن، طبعًا بعد تعرضهم للتعذيب وحصول المخابرات على المعلومات المطلوبة، ومن ثم يتم نقلهم إلى أماكن غير معروفة، فكان شخص يدعى ''إبراهيم''، في القاطع المذكور صودرت المبالغ المالية التي كان يحملها معه (أكثر من 80 ألف دولار)، وضبطت المخابرات أجهزة ''اللاب توب'' التي كان يحملها معه بعد فك شفرات الأجهزة، ومن ثم نقل إلى مكان مجهول بعد قضائه أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل، وكانت حالات مشابهة تحدث هناك، لكن الملحوظ أن السفارات العربية في طهران لم تتابع قضايا السجناء العرب في إيران، كما يحدث مع السجناء الأجانب خاصة الأمريكيين والأوروبيين الذين يلتقيهم سفراء بلدانهم في السجن لمتابعة قضاياهم، هذا ما لم يحدث للسجناء العرب، فهم يتركون فريسة للمخابرات الإيرانية، ويتعرضون للتعذيب والانتهاك المبرح لحقوقهم.
إضافة إلى سجن إفين الذي يضم عددًا كبيرًا من السجناء العرب هناك سجن مخصص لعرب الأحواز، وهو سجن كارون، حيث يعد هذا السجن من بين أكبر السجون الإيرانية، وهو يضم عددًا كبيرًا من السجناء العرب الأحوازيين في إيران. ويعاني هؤلاء السجناء في السجن المذكور مشاكل عدة، حيث يتعرض السجناء الأحوازيون للتعذيب النفسي والجسدي في هذا السجن بغياب وسائل إعلام ومنظمات حقوقية تتابع عن كثب حقوقهم القانونية والإنسانية. ففي القسم السادس من سجن ''كارون'' الذي يطلق عليه القسم السياسي، ففي هذا القسم الذي يضم أكبر عدد من السجناء السياسيين الأحوازيين الذين خضعوا للسجن إما بسبب نشاطهم السياسي أو التنظيمي للتنظيمات الأحوازية، أو بسبب إبدائهم رأيهم ومطالباتهم القومية، أو بسبب اعتناقهم المذهب السني وتغييره بالمذهب الشيعي الذي يطلق عليها عملية التصحيح في الأحواز، ويتعرض هؤلاء السجناء إلى التعذيب، حيث يقضي عدد منهم تحت وطأة التعذيب ويعدم الكثير منهم، وتُجرى المحاكمات دون حضور محام أو محاكمة عادلة لا تتمتع بأدنى المستويات المطلوبة. هناك معتقلات سرية عدة شيدت للتنكيل والاعتقال الظالم ضد الأحوازيين العرب في إيران، حيث يتم اعتقال المطلوبين فيها بقضايا حساسة للغاية، فالمعتقل الأمني سري للغاية، لا يعرف مكانه سوى الذين قضوا فترة ما هناك. صرخة السجناء العرب في السجون الإيرانية رغم أنها محاطة بجدران كنكريتية سميكة، إلا أنها بسبب مظلومية صاحب الصرخة تنفذ في الجدران، وتتجاوز كل الحصار لتخرج للعالم بصوت مدوٍ، لكي تتحدث بطلاقة عما جرى لها من ظلم من قبل نظام يدَّعي الإسلام، وأن القائمين عليه يدَّعون جُزافًا أنهم أحفاد الرسول، فلو لم يكن ما يجري للسجناء العرب حقًا لما وصلت إلينا هذه الصرخات التي نقلناها وإن كانت مقتضبة.