رؤية لصناعة النقل الجوي السعودي (2)
إن تقييم الواقع والتعرف عليه من أهم مراحل التخطيط الاستراتيجي في أي منظومة كانت. نحن ندرك أن القائمين على المؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة في منظومة صناعة النقل الجوي السعودي لديهم معرفة عن واقع مؤسساتهم، ولكن المعرفة نسبية كما أن القدرة على التقييم الدائم لدى المؤسسات السعودية ذات الطابع التجاري التي تبحر في بحار المنافسة الدولية لا يتقنه إلا القليل. صحيح أن صناعة النقل الجوي السعودي بأركانها من شركات طيران ومطارات وصناعات إسنادية لديها مشاريع تنموية بعضها ذي طبيعة عملاقة، كمطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة والتطوير المستقبلي لمطار الملك خالد الدولي في الرياض، ولكن يعاب على تلك المشاريع طبيعتها العملاقة التي أصبحت سببا من أسباب تخلفنا في هذا المجال وأدى تأخير مشاريعنا إلى تسرب أسواقنا ومن ثم مواردنا ووظائفنا إلى دول الجوار. فالمشاريع العملاقة تتعرض للتأخر الزمني أكثر من المشاريع المتوسطة، فبناء صالة جديدة أو الاستحواذ على عدد محدد من الطائرات من خلال سياسة توسع مستدامة أسرع للتنفيذ من بناء مطار جديد بكامل مرافقه أو شراء أسطول طائرات بأعداد كبيرة. تزيد وتنقص الحركة الجوية في دول العالم على مر السنين بنسب أقل من 10 في المائة وإن سجل نموها نسب تجاوزت الخانتين في الصين وبعض دول الشرق الأوسط، ولكن تبقى هذه النسبة ملائمة للنمو المستدام الأسهل تطبيقا والأقدر على مواكبة ما يستجد من تقنيات المطارات وحتى شكل الطائرات المستقبلية، فأنا أرثي لركاب طائرة الإمارات العملاقة A380 بسبب معاناة الترجل منها، ومن ثم ركوب الحافلات إلى الصالات في مطار جدة في غياب جسور الصالات. ماذا لو أننا طورنا هذا المطار بالتدرج على مر السنين لكان لدينا الآن 30 مليون مسافر في السنة، وهذا يعني عوائد بمليارات الريالات ووظائف بعشرات الآلاف، ألا يعتبر هذا هدرا ناتجا عن سوء التخطيط؟ سياسة النمو المستدام تنطبق أيضا على مطار الرياض حيث تراكم المسافرين في المواسم الناتج عن عدم كفاية المساحات لطبيعة التصميم القديم للمطار الذي مر عليه أكثر من ربع قرن، بينما تبقى الصالة (4) أطلالا دون تاريخ محدد لتجهيزها وافتتاحها، فبها يستطيع المطار التعامل مع 20 مليون مسافر في السنة بجودة عالية وفاعلية اقتصادية.