إغلاق صحيفة الفضائح
هزت الأسبوع الماضي الوسط الإعلامي العالمي فضيحة مدوية من العيار الثقيل، إذ أعلنت صحيفة ''نيوز أوف ذا وورلد'' إغلاق أبوابها وإصدار آخر أعدادها بعد مرور 169 عاما على صدورها، وذلك بسبب فضيحة تحقيق كشف أن الصحيفة قامت بالتنصت على الهواتف الشخصية لقرابة أربعة آلاف شخص من ضمنها هواتف ضحايا تعرضوا للقتل، وأعلن الرئيس التنفيذي لـ ''نيوز كورب'' رجل الأعمال الشهير روبرت مردوخ، أنه أمر بإغلاق الصحيفة، التي تعد الأكثر شعبية في بريطانيا والأكثر مبيعاً أيام الأحد، وقال لشبكة سي. إن. إن ''لقد تلطخت الصحيفة بهذه الفضيحة، ولم يعد لها مكان في شركتنا''، وجاء في العدد الأخير للصحيفة ''ببساطة لقد ضللنا طريقنا .. لقد تعرضت هواتف أشخاص للقرصنة، والصحيفة تأسف لذلك أسفاً شديداً''.
روبرت مردوخ رجل أعمال شهير ولد عام 1931 في أستراليا، درس في جامعة أكسفورد البريطانية، واستطاع بعلاقاته وذكائه أن يتحول من صحافي صغير يعمل في جريدة صغيرة في أستراليا إلى مالك أكبر وأهم المؤسسات الإعلامية في العالم ومئات الصحف والمحطات التلفزيونية بصفته رئيس مؤسسة نيوز كوربوريشن، وفي مقدمة تلك الصحف ''نيويورك بوست'' الأمريكية والـ ''صنداي تايمز'' و''الصن'' الإنجليزية، إضافة إلى سيطرته على شبكة ''فوكس نيوز'' التلفزيونية، وضم أخيرا محطة ''تي. جي. آر. تي'' التركية، ومردوخ حاصل على كل من الجنسيات: البريطانية، الإسرائيلية، والأمريكية، إضافة إلى الأسترالية، وعلى الرغم من اهتمامه بالمجال الإعلامي إلا أن البعض وضعه في مضمار السياسة وانتقدوا تأثير وسائل الإعلام التي يمتلكها في الرأي العام، ليس فقط الأمريكي، بل العالمي وانحيازها الواضح بشدة للسياسات الإسرائيلية.
تلك الفضيحة لم تنحصر داخل أروقة البيت الصحافي، الذي كان من المعتقد أن تنتهي بإغلاق ذلك البيت، بل انتشرت خارجه انتشار النار في الهشيم لتمس كل فرد كان له صلة بذلك البيت الموبوء، ومن أولئك ضباط حماية في سكوتلانديارد يصل عددهم إلى 50 ضابطاً متهمين بدفع أموال لهم مقابل تسريب اتصالات للملكة والأمير تشارلز وأصدقائهم ومقربيهم، ما قد يعرض أمن العائلة المالكة للخطر، الأمر الذي جعل رئيس ذلك الجهاز يسارع إلى تقديم استقالته، ومن المتهمين في هذه الفضيحة رئيس التحرير السابق للصحيفة ومدير الإعلام السابق لرئيس الوزراء، ووزراء سابقون، بل إن رئيس الوزراء الحالي نفسه مهدد لوجود علاقة وثيقة بينه وبين ريبيكا بروكس رئيسة ''نيوز إنترناشيونال''، وهي الشركة الناشرة للصحيفة، التي بدورها قدمت استقالتها نتيجة هذه الفضيحة.
وفي اعتقادي أن هذا درس مهم يجب أن تستفيد منه وسائل الإعلام، ففي الوقت الذي يكون فيه الإعلام وسيلة للتشهير وكشف حقائق الآخرين نجده اليوم قد سقط في الفخ نفسه، وكشفت فضائحه وأساليبه في واحدة من كبرى إمبراطوريات الإعلام في العالم، فعلى وسائل الإعلام أن تستوعب هذا الدرس وأن تعيه جيداً وأن تتأكد من أن مصادر معلومات أخبارها تستقى من مصادر شرعية وقانونية وألا يغريها الفوز بالسبق الإخباري بأن تلجأ إلى وسائل غير شرعية تجند من خلالها ضعاف النفوس في دوائر مختلفة ليعملوا لديها كمراسلين يقدموا لها كل غث وسمين، إذ إن مثل هذه الأساليب قد يكون فيها دمار لتلك الوسيلة وقضاء على مصداقيتها.
أكد رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر صحافي الجمعة الماضية أن فضيحة ''نيوز أوف ذي وورلد'' كشفت أهمية كبح جماح ما وصفه بالعلاقة ''الودودة'' داخل بريطانيا بين وسائل الإعلام والسياسيين والشرطة، كما أعلن في ذلك المؤتمر خططا لوضع قيود تنظيمية جديدة للقضاء على التعاون غير الصحي، وربما غير القانوني، بين هذه الأطراف، وهذا ما قد يبتلى به بعض المؤسسات الإعلامية من علاقات إيجابية أو سلبية مع بعض الجهات الحكومية أو الخاصة، ما يجعلهم ينحازون مع أو ضد بعض قضايا الرأي العام تبعاً لطبيعة تلك العلاقة وقوتها، ما يعكس مستوى الشفافية والمصداقية الذي تتمتع به تلك الوسائل الإعلامية.