مسؤول غير مسؤول!
تتحمل المؤسسات الرسمية في المجتمعات المتحضرة مسؤولية تنوير الأفراد بحقوقهم وتوجيههم للقنوات القانونية القادرة على جلبها لهم، ويتعاظم دور هذه المؤسسات عند غياب مبدأ الاستقلالية لدى مؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى غياب الدور الإعلامي المحترف في نشر المعرفة والتنوير بالحقوق المدنية التي تكفلها الأنظمة للأفراد.
وحين يحتاج الأفراد في مجتمعٍ ما إلى نيل حقوقهم الأساسية من تعليم وصحة وغذاء ويعجزون عن ذلك لأسبابٍ شتى، فإن الأثر السلبي لهذا الأمر لا بد أن يتجلى في ردة فعل قد لا تكون بالضرورة حضارية أو ربما متوقعة!
ويتطلب إيصال هذا النوع من رسائل التوعية بالحقوق من كل جهاز رسمي أن يمثله جهاز إعلامي على قدر كبير من المعرفة بأنظمة ذلك الجهاز وتشريعاته، ولا بد لهذا الجهاز الإعلامي أن يكون على قدر كبير من الدبلوماسية، إذ إن التعامل مع المجتمع لا يخلو من قدر كبير من الحساسية، لكون هذا المتحدث الرسمي للجهاز قادرا إما على قلب الصورة السلبية إلى إيجابية عن طريق بسط الحقائق وتفنيد الشبهات، أو ربما تأكيدها! بل ربما أسوأ من ذلك، أن يوجد لمخالف أنظمته وتشريعاته مسوغ للتمادي في المخالفة عن طريق تنصله من المسؤولية ببساطة.
وحين تتحول المسؤولية الملقاة على عاتق جهاز ما كانت الحكومة قد وضعت ثقتها فيه، من المسؤولية عن الخطأ كما هي مسؤولية عن الصواب، إلى تحويل الملامة إلى جهاز رسمي آخر بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، فإن هذا الأمر يعتبر، من دون شك، تخاذلاً عن خدمة الغرض الذي أنشئ من أجله؛ وحين يضع مسؤول ما خطاً أحمر يحدد فيه نطاق مسؤوليته حسب رؤيته الشخصية، بعيداً عن أخذ المبادرة، فإن الوطن يتأخر في اللحاق بركب الحضارة، وحين نخدم الأنظمة التي نضعها بشكلٍ تكون فيه عاجزة عن خدمتنا، فإننا نتحول إلى آلات لا تقدر مصلحة الوطن ولا تعمل على بنائه بمسؤولية.
والمسؤولية الرسمية ليست تشريفاً محضاً، يتمتع فيه المسؤول بالمزايا دون تحمل الأمانة كما يجب، إذ من المحتم على كل منا في أي موقع من مواقع المسؤولية، أن يكون معول بناء للوطن؛ وعند تقصير أي منا في القيام بواجبه، لن يتحول الوطن إلى ما نريد جميعاً أن يكونه، رائداً في كل المجالات.
لذا فإن من واجب كل مسؤول أن يحترم الثقة والمسؤولية التي حملّها، بتحمل أخطائه كما يتحمل صوابه، وأن يتعامل بحذرٍ مع الإعلام مراقباً الله أولاً، ومحترماً لثقة ولاة الأمر، وحريصاً على مصلحة الوطن والمواطن، وداعما لمؤسسات الوطن أن تقوم بدورها على أكمل وجه، من دون تقصير أو تخاذل. ومن الواجب لتحقيق ذلك ألا يؤطر المسؤول مسؤوليته بشكلٍ يضع فجوة بين القطاعات المختلفة، ويعمل بالتالي على خلق مناطق رمادية لا يتحمل مسؤوليتها أحد، فكل مؤسسة من مؤسسات الدولة، لا بد أن تشكل مع غيرها من المؤسسات وحدة متكاملة من أجل مصلحة الوطن والمواطن، والمواطن الحق يغضب من أجل الوطن ولا يغضب عليه بالتأكيد.