حصاد التطرُّف .. هل يتفادى العالم أسبابه؟
لم يأت الحادث الإرهابي في النرويج منفصلاً عن سياق ما يجري الترويج له من ثقافة عدائية تتبناها تيارات سياسية وثقافية أخذت على نفسها عاتق الإساءة إلى الإسلام والمسلمين، فقد نسيت تلك الأصوات الشاذة في بلادها، أنها بما تقوم به من شحن نفسي ونبش في سجلات التاريخ إنما تحرّك مشاعر سلبية وتفجر ألغاماً من الغضب غير المبرر، وهي لا تستطيع أن تسيطر على تلك العقول التي تتلقف أفكارها، بل لا تعلم في أي اتجاه سيجري التنفيس عن حالة السخط على ما يحظى به المسلمون في أوروبا، سواء كانوا مسلمين وافدين أو من أصحاب البلاد الأصليين الذين اختاروا الإسلام عن قناعة.
لقد أصابت الأحداث الإرهابية في النرويج صميم الأمن الأوروبي، لأن المعتدي متطرف أوروبي والضحايا أبرياء من شباب الحزب الحاكم المقتنعين بثوابته في العمل السياسي، وهم لم يأتوا بما يستوجب اللوم سوى أنهم انتموا إلى حزب يتسامح مع الأديان والثقافات الأخرى، وليس لديه عداء مسبق لأحد، بل لا يضع معوقات على الهجرة والعمل واللجوء إلى النرويج للمسلمين ولغيرهم، وهو نهج معتدل لم يكن مقبولاً لدى البعض ممن استمعوا إلى أصوات نشاز تنعق في أكثر من مكان أوروبي، فرحلوا إليها ليجدوا مرتعا وخيما ينطلقون من ضلالاته في محاولة يائسة وانتحارية وغير مجدية لتصفية أوروبا من الكيانات الإسلامية، حتى الأفراد، ومعاقبة كل مَن يقف في طريقهم.
ولم يكن مستغرباً وجود مثل هذه الأذهان التي كنا نعتقد أنها انقرضت، خصوصاً في بلد مثل النرويج يمثل رمز السلام العالمي والداعية إليه في كل مشهد أو حدث قد يفتح باب الحرب. ومن هنا فإن على دعاة العداء ضد الإسلام أن يعوا خطورة أفكارهم، فالألغام التي يزرعونها مصدر خطر يهدد ثقافة التسامح بين الأوروبيين متى اختلفت أفكارهم أو مناهج عملهم السياسي، وهي أيضا مركب ضار يحوي خليطاً من وهم التدين والدفاع عن الحمى وتقديم الذات كبطل قومي يسعى إلى ما غفلت عنه البصائر، وفي هذا ما يكفي من نشر فكرة هدامة غير قابلة للتعايش مع إيجابيات الحياة في بلدان تتبنى الديمقراطية، بل إن هذه الأحداث الإرهابية فتحت باب الحوار حول جدوى التشريعات العقابية في جرائم الإرهاب هناك، حيث تناول خبراء القانون تلك العقوبات بالنقد ووصفوها بغير الكافية في الردع، فأقصى عقوبة هي السجن لمدة 15 عاماً كحد أقصى ويتم تجديدها كل خمس سنوات حتى وفاة المتهم، أي أن العقوبة هي السجن المؤبد فقط.
ولعل هذا الحدث المؤسف يكون مؤشراً للسلبيات الكارثية لما يروّج له المتشدّدون سياسياً في بعض الأحزاب في أوروبا ممَّن ركبوا سفينة التديُّن وسعوا لنشر أفكارهم في أوساط الشباب، غافلين عن أن هذه القنابل الموقوتة محلية الصُنع لن تجد في الغالب ساحة تنفجر فيها سوى أماكن تصنيعها، فقد أنصت العالم الإسلامي إلى تلك الحملة الخارجة عن السياق الحضاري للأمم، التي استهدفت خاتم الأنبياء والمرسلين، وهي حملة لا تمثل الوجه الحضاري الغربي، لأن الذين تبنوها ليسوا ممن يعتد برأيهم هناك أو في أي مكان في العالم.
إن الرد الجميل والقول الحسن اقتضيا أن تسعى المملكة بثقلها الدولي إلى فتح حوار بين الأديان عقب تلك الحملات، لتجديد ما نسيه البعض من ضرورة احترام الأديان والرسل والكتب السماوية، والإعلاء من القيم الإنسانية التي تفرض احترام الحق في الحياة واختيار الدين، ونبذ العنف والتطرف وما يمكن أن يؤدي إليه من نتائج خطيرة، والأهم فهم أن تغذية الإرهاب فكرياً تؤدي إلى مزيد من الضحايا وتجعل كل دول العالم ساحة مفتوحة أمام نتائجه، حيث لا يمكن توقع ما سيأتي به قادم الأيام.