حول تنوع الاقتصاد القطري

استنادا إلى آخر الإحصاءات الرسمية لا يزال الاقتصاد القطري أسير تطورات القطاع النفطي، لكن يتوقع حصول مزيد من التنوع الاقتصادي في غضون السنوات المقبلة ولأسباب جديرة. على سبيل المثال، يتوقع أن تسهم فعالية كأس العالم 2022 وما يصاحبها من التركيز على قطاعات الخدمات مثل الضيافة، فضلا عن التشييد والبناء، وبالتالي الحد من الأهمية النسبية للقطاع النفطي في الاقتصاد القطري.

مساهمة القطاع النفطي
استنادا إلى الأرقام المتضمنة في النشرة الإحصائية الفصلية لآذار (مارس) من عام 2011 ومصدرها مصرف قطر المركزي، ارتفعت المساهمة النسبية للقطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي من 46 في المائة في 2009 إلى 57 في المائة في 2010. تعتبر هذه النسبة عالية بكل المقاييس ودليلا دامغا على ممارسة القطاع النفطي بشقيه النفط والغاز دورا محوريا في النشاط الاقتصادي في قطر. من جملة الأمور تؤكد هذه الإحصائية أن الاقتصاد القطري يقع تحت رحمة التطورات في سوق النفط العالمية، التي بدورها تخضع لعوامل سياسية مثل الحروب واقتصادية من قبيل التضخم ونفسية مثل توجهات المضاربين.
يعود الارتفاع النسبي للقطاع النفطي بالدرجة الأولى إلى تراجع دور القطاعات غير النفطية، خصوصا عوائد الاستثمارات. ويمكن ربط تراجع عوائد الاستثمارات بتبعات الأزمات المالية المختلفة من قبيل الأزمة المالية العالمية التي ظهرت للعيان في صيف 2008، فضلا عن أزمة مديونية دبي التي تجلت في نهاية 2009 وليس انتهاء بأزمة مديونية اليونان.

حجم الناتج المحلي
حسب الأرقام الرسمية، بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي نحو 128 مليار دولار في عام 2010، أي الأعلى تاريخيا. يقترب هذا الرقم من حجم الناتج المحلي للكويت الذي بلغ حدود 131 مليار دولار في الفترة نفسها. لكن يتوقع أن يتخطى حجم الاقتصاد القطري نظيره الكويتي في عام 2011 بالنظر لعامل النمو الاقتصادي، فحسب الإحصاءات المحدثة لصندوق النقد الدولي، يتوقع أن ينمو كل من الاقتصادين القطري والكويتي بنسبة 11 في المائة و4.5 في المائة على التوالي. يزيد مستوى النمو الاقتصادي لقطر على المتوسط المتوقع لدول مجلس التعاون الخليجي، وقدره 7.8 في المائة لعام 2011.
وعلى هذا الأساس، يمكن الزعم أن الاقتصاد القطري في طريقه لأن يصبح القوة الاقتصادية الثالثة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي بعد كل من السعودية والإمارات. بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للسعودية والإمارات 443 مليار دولار و273 مليار دولار في عام 2010 على التوالي.
حقيقة القول، يعود الأداء المتميز للاقتصاد القطري لأسباب لها علاقة بالتطورات المستمرة في القطاع النفطي، خصوصا في مجال الغاز فحسب أحدث الإحصاءات العالمية، تستحوذ قطر على ربع صادرات الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم. تبلغ الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في الوقت الحاضر تحديدا 77 مليون طن سنويا مقارنة بـ 54 مليون سنويا في العام الماضي. وتمكنت قطر من تعزيز أهميتها في تعزيز حضورها في صناعة الغاز في غضون عقدين من الزمان عبر الشراكة مع شركات النفط العالمية.

أداء الميزانية العامة
فيما يخص المالية العامة، تم تسجيل انخفاض في الإيرادات في السنة المالية الماضية بسبب انخفاض العائد من الاستثمارات وليس القطاع النفطي. وبشكل أكثر تحديدا، تراجع حجم الإيرادات من 46.3 مليار دولار في السنة المالية 2010 - 2009 إلى 38.6 مليار دولار في 2011-2010. في التفاصيل، ساهمت الإيرادات النفطية 61 في المائة و49 في المائة من دخل الخزانة العامة في كل من السنتين الماليتين 2011 - 2010 و2010 -2009 على التوالي. يعد التطور في حد ذاته أمرا غير إيجابي لأنه يجعل الاقتصاد أكثر وليس أقل اعتمادا على القطاع النفطي، وهو القطاع الذي يتميز بخضوعه لتغيرات مختلفة، كما أشرنا في الفقرات السابقة.
وفي ظل انخفاض الإيرادات ونمو النفقات العامة، حصل تراجع لحجم الفائض المالي من المستوى التاريخي وقدره 14.8 مليار دولار في 2010 -2009 إلى 4.4 مليار دولار في 2011 - 2010. بيد أنه يعد الفائض الذي يحقق أمرا إيجابيا كونه يشكل نحو 3.4 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للدولة. لغرض المقارنة، يلزم مشروع الاتحاد النقدي الخليجي الدول الأعضاء وبينها قطر بتقييد عجز الميزانية العامة عند حد 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وكما يلاحظ، تمتعت الميزانية العامة بهامش من الفائض المالي في الفترة موضع البحث.
وبنظرة مستقبلية، ليس من المستبعد تعزيز حالة الفائض المالي تسجيل للسنة المالية 2012 -2011 بعد أن أعدت الجهات الرسمية الميزانية العامة بإيرادات قدرها 44.5 مليار دولار مقابل نفقات في حدود 38.3 مليار. بل يتوقع تسجيل ارتفاع كبير نسبيا في دخل الخزانة العامة، نظرا لتبني الرقم 55 دولارا للبرميل، أي أقل بكثير من الأسعار السائدة في السوق الدولية.
باختصار، الاقتصاد القطري على موعد لتسجيل مزيد من النمو الاقتصادي من جهة وفائض مالي من جهة أخرى. لكن يكمن التحدي الأبرز في تقليص الاعتماد على القطاع النفطي كمحفز للنشاط الاقتصادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي