بناء المساجد وإعمارها
1 ـــ لا شك في أن بناء المساجد من أفضل الأعمال تقربا لله عز وجل، والحمد لله أننا في هذه البلاد بلاد الحرمين الشريفين ومنبع الرسالة المحمدية التي تطبق شرع الله الوسطي النقي من الشوائب والخزعبلات والطقوس المبتدعة، يترك الباب مفتوحا لكل من يريد بناء مسجد أو المساهمة فيه، ولهذا انتشر ـــ ولله الحمد ـــ بناؤها في كل مدينة وقرية وحي بل كل شارع، حتى إنها باتت في كثير من الأحياء تجاور بعضها بعضا، وهذا عمل محمود ولا شك، ولكن ليس بهذه الطريقة العشوائية التي تتعارض مع الإعمار المعنوي للمساجد، والإعمار هنا يقصد به كثرة المصلين، حتى إنه في الحي بل والشارع الواحد تجد ثلاثة وأربعة مساجد متجاورة لا تبعد عن بعضها البعض إلا عدة مئات من الأمتار، وهذا يؤدي لتفريق سكان الحي والشارع الواحد بينها، فتجدها في كل الصلوات لا يتعدى فيها المصلون إلا صفاً أو صفين، فيما لو كان هناك تقنين وتنظيم في بنائها بحيث تكون هناك مسافات معقولة ومناسبة ما بين كل مسجد ومسجد، لحققننا هدف إعمارها بالمصلين، وجعلها مركز تجمع وتعارف وتآلف السكان، بدلا من تفرقهم على عدة مساجد متلاصقة بما يفقدها هذا الهدف الكبير، وهو التجمع والجماعة، وبدل هذه العشوائية كان يمكن جعل لكل حي جامعا أو جامعين أو حتى أكثر حسب حجمه وعدد سكانه، يتيح الالتقاء والاجتماع والتعارف والتآلف وإعمارها بالمصلين، وتحويل مبالغ بناء بعضها لمناطق أخرى في حاجة لمساجد، أو صرفها على ترميم كثير من المساجد في القرى والأحياء الفقيرة المتهالكة.
2 ـــ السؤال هنا هو: هل الهدف هو مجرد إعمار المساجد المادي أي الإنشائي دون النظر والاهتمام بإعمارها الإيماني..؟ هناك من سيقول: إن الأحياء كبيرة وواسعة ويشق على الناس خاصة كبار السن السير مسافات طويلة، وهذه حجة ضعيفة، فالسيارات متوافرة، ثم إن في فضل المشي للمسجد الكثير، فكل خطوة ترفع درجة وتحط خطيئة كما رُوي عن رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام، فضلا عما فيها من ممارسة للرياضة مع أجرها الكبير.
3 ـــ ذكر في الصحف أن المصلين في أحد مساجد مكة المكرمة قدموا شكوى ضد إمام بحجة أنه يطيل في الصلاة وقراءة القرآن، والمفارقة هنا أن بعض المصلين هداهم الله يبحثون عن التعجل في أداء صلاة التراويح والتخفيف الشديد فيها، وهناك أئمة وفقهم الله يطيلون بما يزيد على الحد المحتمل فيدفعون بالمصلين للملل والتعب، فضلا عن أن بعضهم لا ترقى جودة تلاوته للحد الذي يجعل المصلى يحتمل الإطالة، الاعتدال هو المناسب، فلا قصر وتخفيف يخل، ولا تطويل ممل.
4 ـــ اللحاق بالصلاة لا يبرر أن يوقف الواحد منا سيارته كيفما اتفق وبطريقة عشوائية حتى ولو سدت الطريق وعطلت الحركة وحجزت سيارات من جاء قبله، ولكن هذا حال البعض هداهم الله، فالجري والإسراع للحاق بالإمام ليس مستحبا، ومنه إيقاف السيارة في مكان فيه أذى، ورسولنا ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أمرنا بإماطة الأذى عن الطريق، فقط شاهدوا ماذا يحدث، خاصة في رمضان، بعد انتهاء الصلاة من تشابك السيارات وتداخلها وكأنها في سرك، وما يؤدي إليه أحيانا من تلاسن في الصيام، اللهم أني صائم.
5 ـــ أمرنا الله تعالى بأخذ الزينة والمظهر الحسن والتطيب عند كل صلاة، البعض هداهم الله يأتون للمسجد بلباس البيت الذي لا يستقبل به ضيوفه أو بلبس الرياضة، والبعض تفوح منه روائح غير مستحبة، وهناك من حين يتوضأ في المسجد يبلل مدخله بالمياه ويقف في الصف ويداه وقدماه مبللتان مما يضائق من بجواره ومن يسجد على آثار بلله، نحن في حاجة لتثقيف الناس بقيمة وأهمية ومكانة المسجد وهذا دور الأئمة.