مهن مهمة

وقف عامل النظافة في الصباح الباكر على جانب الطريق يرقب السيارات المارة بسرعة من أمامه، كانت عينه الحذرة على الطريق، وكأنه يتحين فرصة مناسبة ليقطع هذه المسافة إلى الجهة المقابلة، هل كان يحاول عبور الطريق بالفعل أم لأمر آخر؟ كان يقدم خطوة ويؤخر أخرى؛ كان دافعه مفاجئاً إلى حد الذهول والإكبار، لقد كان يكر ويفر لكي يلتقط الأوساخ القابعة في منتصف الطريق! يا للعجب، يكاد هذا العامل المسكين أن يودي بحياته ليقوم بعمله على أكمل وجه، هذا العمل الذي لم نتخيل المدينة يوماً من دونه، بل أدهى من ذلك أننا نزدري ونستصغر من يقوم به، على الرغم من أننا نتكل عليه ليقوم بالواجب المنوط بنا، لدرجة لم نعد نكترث للآثار التي نخلفها وراءنا في كل مكان نمر به.
نتساءل على الدوام، متى نتخلص من هذه النظرة المتعالية لبعض المهن المهمة كهذه المهنة؟! هل من الممكن تخيل مدينة ما تفتقد من يقوم بهذا العمل في يوم ما؟! ما الدور الذي من الممكن أن يقوم به كل منا ليسهل على الآخرين أن يقوموا بأعمالهم؟
قد يحتفظ الكثيرون منا بسلة للمهملات داخل السيارة، لكن هل نتخلص منها في الأماكن المعدة لذلك؟!
فوجئت في يومٍ من الأيام بقائد السيارة التي أمامي يلقي بأكوام من الفضلات عبر النافذة، في سلوك مشين وفي غاية البعد عن الحضارة، يحسب أنه بتصرفه قد أحسن التصرف، والواقع أنه نقل المشكلة من مكان إلى آخر، كما نفعل في تعاملنا مع الكثير من الأمور للأسف!
وقد يقوم البعض منا بجمع مخلفاته ليلقيها في سلة المهملات عند محطة الوصول في معظم الأحيان، حيث المكان الطبيعي لسلة المهملات أن تكون عند مواقف السيارات في الغالب، إلا أن هذا المسكين يبدأ بالبحث عن هذه السلة من دون أن يهتدي كمن يبحث عن إبرة في كومة من القش! وينتهي به الأمر أن يلقي ما في يده على قارعة الطريق، لسبب بسيط جدا، أن الجهة المعنية بالأمر لم تتكرم بتشجيعه على هذه السلوك القويم حتى النهاية بقيامها بواجبها في وضع سلة مهملات قريبة منه!
لا شك أن لكل منا دوراً يجب أن يقوم به لتكون للمجتمع صورة حضارية عامة يتحمل فيها الجميع المسؤولية، ومن دون تضافر جهودنا لن نصل إلى الحد الأدنى من الحضارة خصوصاً حين يتعلق الأمر بالخدمة العامة. واستمرار هذا السلوك الاتكالي لدى الكثير منا، سيعمل على استمرار دوامة تراشق الملامة بيننا، إذ الكل منا راعٍ ومسؤول عن رعيته، ومن العيب كل العيب أن يكون أحدنا مسؤولاً مسؤولية مباشرة وقانونية عقدت لها العقود عن أمر من الأمور العامة، وتجده لا يفعل ما هو واجب عليه بنص ذاك العقد، معتقداً أنه حصل على تشريف بحله وربطه في شؤون العامة، فيمنع عن هذا ويسمح لذاك.
على كل حال، إن تمكين بعضنا البعض من أداء واجبنا بالتعاون فيما بيننا، سينتج عنه تسريع دفة الحضارة والتنمية، وبالتالي يوفر الطاقة التي نستنزفها في تبادل اللوم فيما بيننا، سواء كنا خادمين ومخدومين، ويعمل على توجيهها للتنمية والبناء لوطنٍ ينعم به الجميع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي