خطبة جمعة مشوقة

لماذا لا يبلغ عدد الوافـدين للصلاة في المسجـــد لحظة وقوف الخطيب على المنبر يوم الجمعة ربع المصلين الذين يتوالى وصولهم أثناء الخطبة، مع أن الإمام لا يفتأ يؤكـد أهمية الحضـــور المبكر لصلاة الجمعـــــة؟ من وجهــة نظــري، فإن أحد الأسباب هو أن الخطبة غير جــاذبة، وكثيرا ما تكون مكررة، بل يستطيع كثير من الحاضرين استكمال العبارات قبل أن ينطقها الخطيب، كما يستطيعـــــون توقع العبارة التالية من كثرة ما ترددت على مسـامعهم في وقت أصبحـــت وسائل الإعلام من إذاعة وقنوات فضائية تقدم بعض الوعاظ والدعـــاء بأسلوب مشوق جذاب لا يكاد المستمع أو المشاهد يستطيع الانفكاك عنه.
حري بوزارة الشؤون الإسلامية، باعتبارها الجهة المسؤولة عن المساجد، أن تتبنى برنامجا وطنيا للارتقاء بخطب الجمعة يقوم على تدريب الخطباء على فنون الإلقاء ومهارات الخطابة، ويشمل كيفية اختيار موضوع الخطبة وطريقة بناء عناصرها ومصادرها وكيفية بدئها وإنهائها وغيرها من المهارات. ومن ثم تشكيل مجموعات من ذوي الخبرة والتميز في الخطابة لتقويم أداء الخطباء الراغبين في تطوير أدائهم بحيث لا تكون هذه الإجراءات إلزامية على الأقل في بداياتها حتى يقبل عليها الخطباء اختياريا برغباتهم ولتضمن الوزارة عدم مقاومتهم جهودها ورفضهم لها.
وقد تكون تلك المجموعة حاضرة للخطبة أو مستمعة على انفراد لكل عضو من أعضائها لتسجيلها، ومن ثم يعدون تقريرا وصفيا ورقميا بإيجابيات الخطيب والمجالات التي يحسن به تطويرها وكيفية تحقيق ذلك، وجوانب الضعف التي يجب التغلب عليها وتسلم للخطيب، ويمكن أن يكرر العمل بعد بضعة أشهر مع الخطيب ذاته لتحديد مدى التقدم الذي تم إحرازه، كما يمكن تكريم أبرز الخطباء الذين حققوا مستويات مرتفعة وتطورا في الأداء، على ألا يتم استبعاد الخطباء ذوي المستوى الأقل أو معاقبتهم؛ حتى لا يشعر باقي الخطباء بخطورة البرنامج عليهم أو تهديده مكانتهم، ما قد يسهم في إخفاقه عن تحقيق أهدافه المرجوة.
إن الوضع الراهن يتضمن خطباء ذوي مستوى دون المأمول، والمشكلة الحقيقية أنهم قد يستمرون كذلك سنوات طوال، ويتحمل تبعات تدني مستوياتهم جيران مساجدهم الذين ألفوهم ورضوا بهم، حيث يتعذر عليهم الانتقال إلى مساجد أخرى، وقليل من الخطباء من يتمكن من تشخيص جوانب قصوره ذاتيا ويعمل على علاجها والارتقاء بذاته.
إن المسجد باعتباره محضنا تربويا يصنع الفكر ويشكل الاتجاهات المجتمعية والميول الفردية في حاجة إلى مزيد من العناية والبناء المعنوي والمعرفي قبل البناء المادي؛ حتى يستعيد دوره المحوري الذي أداه في عهود سابقة على الرغم من قلة الإمكانات ومحدودية الموارد؛ خصوصا أننا اليوم نرفل في نعم وإمكانات مادية غير محدودة، وبين ظهرانينا أعداد كبيرة من أبناء الوطن المتميزين الذين يستطيعون أن يطوروا أداء أقرانهم، ويحسنوا نواتج بيت الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي