آفاق الاقتصاد الليبي بعد القذافي
الأمل كبير في أن تنجح ليبيا في فرض نفسها على خريطة الاستثمارات في الفترة التي تسبق سقوط نظام العقيد معمر القذافي لكن بشرط عدم حدوث فوضى سياسية في البلاد. تتمتع ليبيا بالكثير من الموارد، خصوصا النفط والغاز، لكنها في حاجة إلى التقنية المتطورة والاستثمارات من أجل الاستفادة القصوى منها.
مؤكدا، لا يتناسب حجم الإنتاج النفطي مقارنة بمستوى الاحتياطي النفطي للبلاد، بل توجد فرصة لتطوير الصناعة النفطية. فحسب تقرير متخصص في إحصاءات الطاقة تابع لشركة بريتيش بتروليوم، لدى ليبيا احتياطي نفطي في حدود 46 مليار برميل، أي نحو 3.4 في المائة من الاحتياطي النفطي العالمي المكتشف، وبالتالي المرتبة التاسعة دوليا. في المقابل، يبلغ متوسط الإنتاج النفطي الليبي نحو 1.6 مليون برميل يوميا مشكلا 2 في المائة من الإنتاج النفطي العالمي والمرتبة الثانية عشرة بين أكبر مصدري النفط.
وليس من المستبعد أن تحصل الشركات النفطية التابعة للدول التي شاركت في إنهاء حكم القذافي على نصيب الأسد من العقود النفطية الليبية. في المقابل، ستجد الشركات النفطية التابعة للدول التي عارضت فرض عقوبات على نظام القذافي مثل الصين صعوبة في الحصول على عقود نفطية على الأقل في المدى القصير.
جلب الاستثمارات
ومن شأن إعادة إطلاق الصناعة النفطية لليبيا تعزيز الإنتاج النفطي لقارة إفريقيا. وكانت القارة السمراء قد شهدت ولادة جمهورية جنوب السودان بتاريخ 9 تموز (يوليو) الماضي، وهي الدولة التي تحتضن ثلاثة أرباع الاحتياطي النفطي للسودان قبل الانفصال.
وتميز نظام القذافي بعدم قدرته على استقطاب الإمكانات الدولية المتوافرة لتطوير القطاع النفطي بسبب مغامراته السياسية في كل حدب وصوب. وخير دليل على ذلك هو استقطاب ليبيا استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 3.8 مليار دولار في عام 2010. كشف ذلك تقرير الاستثمار العالمي 2011، ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو (الأونكتاد). حقيقة القول، يزيد هذا الرقم على حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة لعام 2009 وقدره 2.7 مليار دولار، ما يعد مؤشرا إيجابيا.
لكن يقل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى ليبيا عن دول نفطية عربية أخرى من قبيل 5.3 مليار دولار فيما يخص قطر، فضلا عن 28.1 مليار دولار بالنسبة للسعودية. تعتبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة دليلا على مدى قناعة المستثمرين الدوليين بأهمية الاستثمار في مختلف الدول، وذلك بالنظر للآفاق المستقبلية لتلك الاقتصادات.
أصول ضخمة
كما تتمتع ليبيا بأصول مهولة بالعملات الصعبة تبلغ قيمتها نحو 168 مليار دولار، ما يعني توافر الثروة المالية لتنفيذ مشاريع من شأنها تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الليبي. نقول ذلك بالنظر للأداء غير المقنع للاقتصاد الليبي على بعض المؤشرات الدولية الحيوية، حيث حل في المرتبة رقم 100 من بين 139 بلدا في تقرير التنافسية الاقتصادية لعام 11-2010 ومصدره المنتدى الاقتصادي العالمي.
إضافة إلى ذلك، تتمتع ليبيا بالمساحة الكبيرة نسبيا، حيث تقدر بنحو 1.7 مليون كيلو متر مربع، أي المرتبة رقم 17 على مستوى العالم من الحجم. بيد أنه يعيش نحو 6.6 مليون نسمة فقط على هذا الأراضي الشاسعة، والذين يتواجدون بكثافة حول المناطق الساحلية الواقعة شمال البلاد. فضلا عن المناخ، تتمتع المناطق الساحلية بمزايا مثل القدرة على توفير الوظائف سواء في الزراعة أو السياحة. لا شك، لا بد أن تنعكس الأصول والثروات بشكل إيجابي على معيشة المواطنين، وهي على أقل تقدير محل نقاش بالنسبة لليبيا.
معضلة البطالة
الغريب أنه على الرغم من محدودية عدد السكان مقابل ثروات البلاد، فقد عانى الاقتصاد الليبي ظاهرة البطالة في عهد القذافي والتي حد 30 في المائة قبل سنوات عدة. لكن انخفض مستوى البطالة في السنوات القليلة على خلفية ارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي منح السلطات فرصة تعزيز النفقات العامة، وبالتالي إيجاد فرص عمل جديدة للمواطنين.
ويعتقد أن الاقتصاد الليبي يعاني ظاهرة البطالة المقنعة، حيث اشتهر العقيد القذافي بصرف أموال على مشاريع ضخمة مثل النهر العظيم من أجل تحقيق سمعة شخصية دونما وجود حاجة فعلية إلى ذلك. لكن هناك خطرا آخر يهدد البطالة وتحديدا الإحصاءات السكانية، حيث يشكل الذين دون سن الـ 14 نحو ثلث السكان. كما هو الحال مع باقي شعوب العالم، يتطلع الداخلون الجدد لسوق العمل للحصول على وظائف تتناسب وتطلعاتهم من حيث النوعية والدفع.
كما يبلغ متوسط دخل الفرد في ليبيا نحو 14 ألف دولار، أي المرتبة رقم 63 على مستوى العالم، ما يعد رقما غير لافتا قياسا بثروات البلاد ومحدودية عدد السكان. وحسب المصدر نفسه، تحتل قطر المرتبة الأولى دوليا بمتوسط دخل يقارب 89 ألف دولار.
في المحصلة، وعلى الرغم من بقائه فترة مطولة في الحكم بدءا من عام 1969، لم يتمكن القذافي من إدارة اقتصاد البلاد بالشكل الصحيح بدليل عدم تسجيل نتائج لافتة في العديد من المؤشرات الدولية. باختصار، فشل القذافي في حسن إدارة الشؤون الاقتصادية للبلاد.