تعايش بالإكراه

تعايش الاقتصاد السوري مع مواطنيه بالإكراه، فبوصلته تلاحق مصالح المسؤولين أكثر مما تلاحق تطلعات المواطنين. كما أن كثيرا من المحللين وصفوه بالاقتصاد القائم على الأزمات المتراكمة الذي غابت عنه ولعقود البرامج الواضحة زمنيا ومكانيا.
توسعت الدولة منذ ثمانينيات القرن الماضي في مشاريعها الاستثمارية بقيادة القطاع العام دون تدعيمها بدراسات كافية، بل على العكس أوكلت إدارة الكثير من المؤسسات الحكومية لشريحة من المتنفعين العديمي الكفاءة الذين يجري تعيينهم غالبا بالتزكية والفرض وليس بناء على خبرات أكاديمية. لذلك جاءت معظم تلك المشاريع مشوهة التركيب وعجز أغلبها عن تحقيق إيرادات. برر أحد مسؤولي الحكومة السابقة هذا الإرباك الاقتصادي، بأن الحكومات تتخذ قرارات قد تبدو غير شعبية لكنها في النهاية تصب في مصلحة الوطن. بناء على ذلك يبدو وكأن الوطن السوري بحسب ما أشار إليه المسؤول، لا يسكنه مواطنون من لحم و دم بل كائنات آلية تستطيع الرضوخ إلى ما تفرضه الجهات العليا.
أقل ما يمكن قوله في حق هذا الاقتصاد إنه كيان يفتقر للجماهيرية بسبب قلة الشرائح التي يمكن أن تستفيد منه، فأغلبية المواطنين خارج دائرة اهتماماته. لذلك لا يوجد من يدافع عنه لانه أتى لتلبية تطلعات فئات محددة من الشعب. فالقرارات غالبا ما تتخذ بشكل ارتجالي وتفتقد الأهلية ولا تراعي التوقيت المناسب. كما حدث عندما تقرر رفع الدعم عن بعض السلع، لم يظهر في المقابل، أي إجراء اقتصادي اجتماعي لامتصاص الصدمة.على سبيل المثال، وفي عام 2008 أقرت الحكومة رفع أسعار المازوت (زيت التدفئة) ضاربة عرض الحائط بكل مناشدات سكان الجزيرة السورية لتأجيل القرار، حتى ينتهوا من الرية الأخيرة لمحاصيلهم. أرغم التجاهل لتلك المطالب الآلاف من المزارعين على الامتناع عن ري أراضيهم وتركها دون زراعة وتبديد أصحاب القطعان ثرواتهم الحيوانية وهجر القرى وإنشاء مزيد من أحزمة الفقر حول العاصمة دمشق.
أيضا وتحت مظلة التوقيت الخطأ والقطاع الخطأ، وفي هذا الوقت المتأزم توجه الحكومة الحالية جهودها، لإنعاش قطاع السياحة، وضخ الحيوية في عروقه المتوقفة عن العمل حيث أُعلنت برامج تستهدف السياحة الداخلية، لتكون دليلاً على عودة الحياة الطبيعية إلى البلاد من جهة، وللاستفادة من ريوع هذا القطاع من جهة أخرى. فجأة ينتاب المسؤولين صحوة ضمير بضرورة الالتفات إلى استجمام المواطنين. لكن لطالما كان هناك تضارب بين مصالح المواطنين وإقامة المشاريع الكبرى فقد تتهدد أملاك المواطنين ويحكم عليهم بالإخلاء إذا ما ثبت أن عقاراتهم أو أراضيهم تقع في موقع استراتيجي لإنشاء مصنع أو منتجع أو مدرسة أو فندق، حتى شواطئ البحر لا يبدو أنها من حق المواطنين، فالخطط الاقتصادية تريد تحويل معظم الشواطئ السورية إلى منتجعات للسياح الأجانب. هذا الأمر أجازته الحكومة لنفسها عبر قانون الاستملاك.
يلعب الاستملاك إذن بمصير أهل البلد إذ ينتزع أملاكهم الشخصية بسعر التراب ويبيعها بسعر الذهب. رغم أن التشريع المعتمد باسم السوق العربية المشتركة، ينص على أن تشتري البلديات ما تستملكه بالسعر الرائج، مع اشتراط رضا أصحابه ولو بالغوا في ثمن أملاكهم. وذلك طبيعي فالدولة أغنى من الفرد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي