أخبار خفيفة

جاء ترتيب الأخبار على إحدى المحطات العربية كالآتي:
- "نقلا عن شهود عيان سقوط عدد من القتلى والجرحى في مدن سورية".
- "قوات الناتو تهاجم باب العزيزية وأنباء عن سقوط ضحايا".
- "شوربة العدس الخيار المفضل لصائمي رمضان".
وعلى محطة أخرى، وفي برنامج حواري، يعنى بالشأن الاجتماعي والإنساني، أُتبع تقرير عن الفقر والمجاعة في الصومال، بتقرير عن معمول العيد وأطايب الحلويات الشرقية. في نفس الربع ساعة، عرض ضيوف وضيفات البرنامج آراءهم حول مجاعة الصوماليين والحشوة الأشهى لقرص المعمول إن كانت بالجوز أو بالتمر.
إن الآلية السابقة في التعرض للأخبار لم تنشأ عبثا، بل تتبع منهجا إعلاميا يدعى، التجزيئية، أي عرض أخبار الكثير من المواضيع بدون اشتراط وجود رابط بينها. بهذا الإطار تتحول الأخبار تدريجيا إلى ما يشبه السلعة، بحيث تتحول الظواهر الاجتماعية والمآسي الإنسانية إلى مجرد حوادث لا معنى لها. تمثل البرامج الحوارية المتعددة الفقرات، تربة خصبة لمنهج التجزيئية، فالخلط بين الأخبار الجادة والخفيفة يولد اللامبالاة، ويؤدي إلى تسطيح أية أفكار فعالة لحل قضايا تهم الجمهور أو تتعلق بقضاياه المعيشية.
كما أن الأخبار عندما تعامل كسلعة، ستطبق عليها المواصفات التجارية، كأية بضاعة في السوق. فالسلعة الإخبارية سريعة التلف ولها مدة صلاحية محدودة. كما أنها تتبع أجندات مختلفة في التعاطي معها.
تبرز أهمية المحطة وانتشارها إذا استطاعت أن تلفت انتباه المشاهد، لنوعية الأخبار العاجلة التي تمررها. لذلك تسود الهستيريا في محطات الأخبار عند وقوع أزمة ما، وقد يكون هناك إصرار زائف على نوعية من الأخبار، تتماشى مع أجندة معينة لسياسة التحرير. إجمالا يتم التركيز على بعض المواضيع والنفخ فيها بأسلوب محموم وخلق هالة من الأهمية حولها من خلال المتابعة الفورية. ثم تأتي الخطوة التالية وهي إفراغ الموضوع من المعنى، والتي تتم عن طريق إنزاله من قائمة الأخبار العاجلة أو التنكر لتواجده في محتوى النشرة أو البرنامج.
ينتقد الكثير من الخبراء وعلماء الاجتماع لجوء وسائل الإعلام إلى هذه الآلية، ويعتبرونها مسؤولة عن نشر مشاعر السلبية والفتور، إضافة إلى تحميلها تهمة تدمير قدرة الإنسان على الفعل الاجتماعي النشيط. أظهر الطرح السابق، بأن الاستنفار المتواصل للعقل، يعطله عن إمكانية فرز الأحداث والتمييز في تفاصيلها، مما يؤدي إلى تخفيف درجة حساسيته لهذا التراشق الإعلامي ويتولد لدى الشخص إحساس باللامبالاة.
لم يتوقف تحذير علماء الاجتماع عند مخاطر تحويل الأخبار إلى سلع، بل تندرج التحذيرات أيضا على قطاع الترفيه. في هذا الخصوص علق المؤرخ الأمريكي اريك بارنو على هذه الإشكالية بقوله "إن الترفيه هو مفهوم شديد الخطورة، إذ تتمثل الفكرة الأساسية في أنه لا يتصل من بعيد أو قريب بالقضايا الجادة في العالم، وإنما هو شغل أو ملء ساعة من الفراغ والحقيقة أن هناك إيدلوجية مضمرة في كل أنواع القصص الخيالية فعنصر الخيال يفوق بمراحل العنصر الواقعي في تشكيل آراء الناس".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي