من حرَّر ليبيا ومن يدفع الثمن؟
عيد إخوتنا في ليبيا عيدان، عيد الفطر المبارك وعيدية التحرر من حقبة مظلمة تسلط خلالها عليهم نظام هلامي لم تكن له صلة لا بالواقع ولا بتاريخ النظم السياسية قديمها وحديثها، وتحكّم في مقدراتهم فرد بلغ أوج درجات جنون العظمة والهوس، وأبناء توهموا بأن ليبيا وشعبها ملك يمينهم.
بعد مجاهدة لستة أشهر تم في نهايتها دخول العاصمة طرابلس واختفاء القذافي وأبنائه وزمرته، تكون قد طويت تلك الصفحات المعتمة من تاريخ ليبيا الحديث وقذف بها لمزبلته، وهذا هو مصير كل طاغية وظالم ومتجبر طال زمانه أو قصر، ففي الخاتمة لا يصح إلا الصحيح، فالله - عز وجل - يمهل ولا يهمل، ويعز من يشاء ويذله، ويعطي الملك لمن يشاء وينزعه منه متى شاء سبحانه، فدوام الحال من المحال، خصوصا إن كان معوجا وخرج عن ناموس الخالق - عز وجل - القائم على العدل وإنصاف المظلوم من الظالم متى ما غيّر ما بنفسه بنفض الخنوع ورفض الاستسلام لواقعه المر، فالله - سبحانه وتعالى - لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وهذا ما فعله الشعب الليبي بعد أن صبر وصابر وكابد لأكثر من 40 سنة، ثم انتفض على ظالميه وظلمهم لتشرق عليهم شمس العيد بالتحرر والحرية.
على وقع ذلك كله، هناك حقيقة يجب ألا تخفى ولا يقلل من شأنها، وهي أن من حرّر ليبيا من ذلك ''النظام'' الهلامي، وتحمل أعباءه ودفع ثمنه من دمائه هو الشعب الليبي وطليعته ثواره أحفاد المجاهد عمر المختار - رحمه الله، فالفضل بعد توفيق الله يعود لأولئك الثوار وللشعب الليبي الذي احتضنهم وقدم لهم الدعم والمدد طوال الأشهر الماضية، ومن يرد مشاركته في هذا يجترئ على الحقيقة بما فيه حلف الناتو، فتدخل الناتو أسهم ولا شك في تحجيم قوات القذافي بضرباته الجوية، لكنه لم يصل لما بذله الشعب الليبي وثواره، فهو مجرد عنصر مساعد بينما كان كل العبء يقع على الليبيين أنفسهم الذين دفعوا ثمنه من أرواحهم وتدمير بلدهم بين وحشية كتائب القذافي وضربات الناتو، التي دمرت كثيرا من البنية التحتية الليبية لحرمان القذافي من الاستفادة منها في حربه ضد شعبه.
والناتو حين أرسل طائراته الحربية لتقصف مواقع قوات القذافي بتكاليفه الباهظة، لم يفعل ذلك فزعة ولا حمية، بل بثمن يأمل أن يأخذه من عقود الإعمار والنفط الليبي، وما أكد ذلك ما تسرب من أن المجلس الوطني الليبي أغرى فرنسا مثلا بالحصول على 35 في المائة من النفط مقابل مشاركتها في الحرب جويا، وهو مطامع بريطانيا وإيطاليا نفسها ومن ورائها المايسترو الأمريكي.
الحقيقة الأخرى هي ما سيحدث بعد سقوط القذافي ونظامه، والتحدي الأكبر أمام الليبيين هو التوافق على بناء الدولة الجديدة من خلال المشاركة لا التنافس على الغنيمة، والسؤال الآن هو: هل سيترك الليبيون يرتبون أوضاعهم أم ستتدخل الأصابع الخبيثة لبث الصراعات بين القوى الثورية الليبية حتى لا تستقر ليبيا وتقوم فيها دولة حرة سيدة نفسها؟
حماسة تدخل الناتو ومحاولة فرنسا وأوروبا التدخل في صياغة مستقبل ليبيا تحت أسماء مثل ''أصدقاء ليبيا'' تشير إلى المرحلة الصعبة جدا التي على الليبيين مواجهتها، فقوى الناتو لن تقبل الانسحاب من دون ثمن اقتصادي وسياسي، فليبيا بالنسبة لهم كعكة مغرية لن يفرطوا فيها، وهو ما يجب على الليبيين الانتباه له بوحدة صفهم وموقفهم.