حدود العلاقة بين أسعار النفط والدولار
الكثير من المحللين يعتقد أن الدولار أصبح موضع شك كعملة لبيع وشراء النفط على المدى الطويل، وسوف تنكسر هيمنة الدولار على أسواق النفط خلال السنوات القادمة، وذلك بسبب انخفاض سعر صرف الدولار مقابل العديد من العملات العالمية، مما أدى إلى مطالبة بعض الدول مثل الصين وروسيا وأوروبا واليابان ودول الخليج لتبديل تسعير النفط بالدولار إلى سلة من العملات العالمية المختلفة أو تسعيره بالذهب، وذلك لمزيد من التنويع في احتياطيات تلك الدول من العملات القوية، ويعتقد المحللون الماليون أن انتقال ربط وتسعير النفط بالدولار سيحدث في نهاية المطاف لكن ببطء.
لا شك أن العلاقة بين الدولار والنفط علاقة متينة ومتميزة ومترابطة، فالدولار دائما يؤثر في أسعار النفط ويعكس الطلب المتزايد على النفط والسلع الأخرى، كما أن معظم الدول المنتجة للنفط تبيع بالدولار، ومعظم المحللين يتفقون على أن هناك علاقة إيجابية بين التغيرات في سعر الصرف الحقيقي للدولار وأسعار النفط، في الوقت الذي يؤدي فيه انخفاض الدولار إلى رفع أسعار النفط، ويجعل العلاقة بين الدولار وأسعار النفط تخضع لدراسات وتحليلات عديدة تختلف فيها النتائج.
الزيادة السريعة في أسعار النفط خلال العام الحالي والأعوام السابقة في الأسواق العالمية ناتجة عن الاضطرابات السياسية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وكذلك ضعف الدولار نتيجة الديون الأمريكية، ولكن لا يعني أن ارتفاع سعر النفط بسبب الانخفاض في سعر الدولار، لأن هناك عوامل أخرى متعددة تدخل في زيادة سعر النفط، مثل ارتفاع الطلب على النفط العالمي، والمخاوف من ارتفاع التضخم في الاقتصاد الأمريكي، وانخفاض الدولار الذي يسهم في زيادة العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي ويضعف الاقتصاد الأمريكي.
انخفاض اعتماد الولايات المتحدة على النفط سيخفف من هذه العلاقة بشكل ملحوظ، فالعلاقة بين التغير في سعر الدولار والتغير في سعر النفط وثيقة جدا لكون الدولار هو العملة الأولى في العالم من حيث القوة، كما أن النفط هو السلعة الأهم والأكثر تداولا على مستوى العالم، ومعظم الدول المصدرة للنفط تحصل على عائداتها بالدولارات، ومقابل ذلك تستورد جميع سلعها بعملات أخرى مختلفة من الدول الأخرى، فيحصل تغيير في سعر صرف الدولار فيؤثر في القوة الشرائية لهذه الدول وعلى دخلها، ويزيد التضخم المستورد والمحلي لديها.
معظم البلدان النامية يرون أن الاقتصاد الأمريكي مصدر رئيسي للتطور، على الرغم من أزمة الديون الأمريكية الحالية، ولكن يمكن تجنب هذه المشكلة عن طريق دعم الاقتصاد الأمريكي، في الوقت نفسه يزيد الطلب على النفط في البلدان ذات العملات الأخرى، لأن انخفاض قيمة الدولار له أثر في أسعار النفط المرتفعة، وله أهمية لمستقبل سوق النفط العالمية، وكذلك يمكن أن يؤثر في كل من العرض والطلب العالمي على النفط.
مشكلتنا في دول الخليج العربي تتلخص في ربط معظم عملاتنا بالدولار الضعيف الذي تسبب في ارتفاع العملات الأخرى مقابل الدولار خلال السنوات الأخيرة فاستمرار تراجع قيمة الدولار ينعكس سلبا على دخلها، ويخفض من أرصدتها وأصولها، ويؤثر في ميزانياتها التي تعتمد على معدلات أسعار النفط، ويزيد التضخم المستورد عليها خاصة إذا استمر ركود الاقتصاد الأمريكي بسبب الديون الأمريكية وارتباط عملاتها بالدولار الأمريكي، لذا لابد من إعداد الدراسات والبحوث لتعويم عملات دول الخليج العربي في السوق العالمية، من أجل تخفيف معدلات التضخم والتحكم في أسعار البترول، وبالتالي التخلي عن الدولار في تسعير البترول، وبيع النفط بالعملة الخليجية الموحدة مستقبلا.
لقد آن الأوان لتأسيس نظام نقدي عالمي قائم على وحدة نقدية ذات قيمة حقيقية مقدرة من النفط، بدلاً من النظام الحالي المعتمد على الدولار كعملة ورقية، وإنشاء اتحاد دولي للمقاصة في سوق النفط، يساهم ويحقق توازنا لسعر النفط، من خلال توفير قاعدة بيانات ومعايير للتعامل في أسواق الطاقة، وفرض عقوبات على المخالفين وتوفير الضمانات الكافية لجميع المتعاملين من منتجين ومستهلكين ووسطاء، وذلك من أجل استقرار ونمو الاقتصاد العالمي.
كما يفترض من دول الخليج العربي السعي إلى توحيد القرارات، وإصدار العملة الخليجية الموحدة بأسرع وقت ممكن، لتكون قوة ضاربة بين العملات العالمية وتضمن استقرار ومتانة وقوة اقتصاديات دول الخليج العربي، حيث إن عدم ربط النفط بالدولار ليس أمراً سياسياً وإنما لأسباب اقتصادية بحتة، لأنه لا بمكن لدول الخليج العربي أن تدفع تكاليف الخلافات السياسية الأمريكية، وكذلك اقتصاديات العالم، والملاحظ أن هذه الأحداث ستكون مقدمة رئيسية لمراجعة كثير من السياسات المالية والاقتصادية العالمية والخليجية أيضاً.