الانفجار السكاني في المملكة

تشير بيانات الإحصاء السكاني الأخير، الذي أجري في 27 نيسان (أبريل) 2010، إلى أن إجمالي سكان المملكة بلغ 27.137 مليون نسمة. وعند مقارنة هذا الرقم بإحصاء عام 2004 يمكن الحصول على معدلات النمو السنوي السكانية خلال الفترة من 2004 إلى 2010، حيث بلغت نسبة نمو السكان السعوديين السنوية 2.2 في المائة سنويا خلال الفترة، بينما بلغت نسبتا نمو سكان المملكة السنوية الإجمالية ونمو السكان الأجانب المقيمين خلال الفترة 3.2 في المائة و5.8 في المائة على التوالي.
وأتى النمو الكبير في عدد سكان المملكة خلال الفترة 2004-2010 من النمو الطبيعي للسكان السعوديين والمقيمين ومن تدفق العمالة الأجنبية الكبير إلى المملكة. وتتميز هذه الفترة بتجاوز نسبة نمو السكان المقيمين نسبة نمو السعوديين بأكثر من الضعف. ويعتبر ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي العامل الرئيس الذي يقف خلف تدفق العمالة الأجنبية. ومن المتوقع استمرار نمو العوامل الاقتصادية الكلية بقوة خلال الأعوام القادمة، حيث ستشهد السنوات القليلة القادمة طفرة قوية في القطاعات كافة، خصوصا في أنشطة الإنشاء والتعمير. وسيأتي النمو القوي لقطاع الإنشاءات نتيجةً لمشاريع الإسكان الحكومية العملاقة، والتوسع الكبير في تقديم الائتمان الحكومي والخاص لقطاع الإنشاء والتعمير، واستمرار مشاريع تنمية البنية الأساسية، وتوقع ارتفاع ثقة القطاع الخاص واستمراره في الاستثمار في القطاعات كافة، التي أهمها قطاع الإنشاء والتعمير كثيف الاستخدام للعمالة الأجنبية.
وسيعزز النمو الاقتصادي القوي تدفق العمالة خلال الأعوام القادمة بنسب مقاربة للمعدلات المسجلة خلال الفترة الماضية، كما أن من المتوقع استمرار نمو السكان السعوديين بنسب مقاربة لمعدلات النمو في الأعوام القليلة الماضية. وسيؤدي استمرار التدفق القوي للعمالة الأجنبية واستمرار نمو السكان السعوديين إلى ارتفاع معدلات النمو السكانية بمعدلات مرتفعة خلال السنوات القادمة.
وسيأتي نحو نصف زيادة عدد السكان خلال المرحلة المقبلة من نسب النمو الطبيعية للسكان السعوديين. وأدى النمو القوي في عدد السكان السعوديين خلال العقود الماضية إلى تجاوز عددهم 18.7 مليون نسمة في إحصاء 2010. وفي حالة استمرار معدلات النمو السكانية الأخيرة خلال السنوات المقبلة، فإن هذا سيضيف نحو 412 ألف نسمة في عام 2011، ونحو 420 ألف نسمة عام 2012، وسيرتفع حجم زيادة السعوديين مع مرور الزمن حتى تتجاوز نصف مليون نسمة في السنة خلال أعوام عدة. وفي ضوء ارتفاع معدلات النمو السكانية الطبيعية للسكان السعوديين، واستمرار تدفق العمالة الأجنبية بمعدلات مرتفعة خلال السنوات القادمة، فليس من المستبعد أن يتجاوز حجم الزيادة السنوية في عدد السكان مليون نسمة بعد خمسة أعوام. ويبرز النمو الكبير المتوقع في عدد السكان حقيقة حدوث انفجار سكاني متصاعد في المملكة خلال السنوات القادمة. وستتولد عن الزيادات الكبيرة في عدد السكان تحديات كبيرة، حيث يتطلب التغلب عليها بذل جهود جبارة من القطاعين الحكومي والخاص.
وسيتحتم تخصيص المزيد من الموارد لتوفير الخدمات الحكومية للأعداد المتزايدة من السكان، خصوصا في الخدمات في مجالي التعليم والرعاية الصحية. وتوجد في الوقت الحالي ضغوط كبيرة على المرافق التعليمية والصحية، ومن المتوقع أن يرفع النمو السكاني الكبير من مستويات هذه الضغوط ويرفع من تكاليف توفيرها وتحسين جودتها. وليس من المتوقع أن ترتفع الإيرادات الحكومية بنفس معدلات نمو التكاليف في الأعوام القادمة؛ ما سيؤدي إلى انخفاض الفوائض المالية وظهور عجوزات مالية قد تتفاقم إلى مستويات غير قابلة للاستمرار مع مرور الوقت. وسيرفع النمو السكاني الكبير من ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية على أساليب تمويل وتقديم الخدمات الحكومية. كما سيقود النمو السكاني والاقتصادي القوي إلى نمو كبير في مستويات التحويلات والدعم الحكومي المقدم لبعض السلع؛ ما سيقود هو الآخر إلى إجراء إصلاحات هيكلية على برامج التحويلات وسياسات دعم بعض السلع والمرافق العامة بما في ذلك المنتجات النفطية والطاقة والمياه. من جهة أخرى، سيزيد النمو السكاني القوي من الضغوط الموجودة حاليا في أسواق العمل والسكن، ما سيتطلب بذل جهود إضافية وتغييرات هيكلية لتلبية الطلب المتزايد على فرص العمل والمساكن. كما سيرفع النمو السكاني من معضلات الازدحام والتلوث البيئي، خصوصا في المراكز السكانية الرئيسة كالرياض وجدة؛ ما سيستدعي إنفاق المزيد من الموارد على مشاريع البنية الأساسية. وسيرفع النمو السكاني من حجم الواردات؛ ما سيدفع من قيمتها إلى مستويات مرتفعة ويولد ضغوطا على الموازين الخارجية مع مرور الوقت، وهذا يتطلب اتخاذ خطوات مبكرة للحد من الهدر الاستهلاكي ورفع تنافسية المنتجات المحلية مع المنتجات المستوردة.
وباختصار شديد سيتولد كم وافر من التحديات بسبب الزيادة الكبيرة المتوقعة في سكان المملكة خلال السنوات القادمة، الذي يتطلب بذل جهود مضاعفة من الجهات الحكومية والأفراد والمؤسسات الخاصة للتغلب عليها. وفي الوقت نفسه سيتولد عن النمو الكبير في عدد السكان عدد من النواحي الإيجابية، حيث سيقود إلى تحسن اقتصاديات الحجم في المملكة، وإلى ارتفاع مستويات المنافسة بين العمالة والأعمال ما سيولد فرصا إضافيةً للنمو الاقتصادي ويولد مجالا أوسع للإبداع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي