خواطر حول رسوم الأراضي

طلب مجلس الشورى من وزارة الشؤون البلدية والقروية إعداد لائحة لضوابط وآلية فرض رسوم سنوية على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني. ولم يوضح مجلس الشورى الهدف من هذا الطلب، لكن يبدو أن مجلس الشورى يحاول أن يتجاوب مع تذمر طيف واسع من المواطنين المعانين من ارتفاع أسعار قطع الأراضي، وعجز جزء كبير منهم عن تأمين سكن لأسرهم بسبب الارتفاع الكبير في أسعارها. وكانت تكاليف البناء تمثل الجزء الأكبر من تكلفة ملكية المساكن قبل سنوات عدة، لكن ارتفاع أسعار الأراضي جعل تكاليف الحصول على قطعة أرض العائق الأكبر أمام ملكية المساكن. ويبدو أن الهدف من فرض أي ضرائب في المملكة على الأراضي تنظيمي، فالحكومة لا تسعى من وراء هذا الإجراء إلى الحصول على إيرادات إضافية، إنما تحاول التأثير في أسعار الأراضي غير المستغلة داخل النطاق العمراني ودفع مالكيها إلى تطويرها أو بيعها لمن يستطيع أو يحتاج إلى استغلالها.
وهنا يمكن الإشارة إلى أن تسمية الإيرادات التي ستحصل من الأراضي برسوم تسمية غير دقيقة، حيث إن تطبيقها لا يصاحبه تقديم أي خدمات، ولهذا فهي ضرائب وليست رسوما. وجرت العادة على تسمية كثير من الضرائب رسوماً للتخفيف من وقعها على الأنفس وتأثيرها غير المرحب به من أطياف الناس كافة. وفرض أي ضرائب أو رسوم جديدة مكلف من الناحية السياسية وغير مقبول، ولهذا تفرض في أضيق الحدود وعند الضرورة فقط. وتوجد شروط متعددة لفرض الضرائب، وأهمها توخي مبدأ العدالة والمساواة عند فرض الضرائب. ومن شروط العدالة معاملة الخاضعين للضريبة المتساوين في القدرة على تحمل الضريبة بصورة متساوية ومعاملة المختلفين في القدرة على تحمل الضريبة بصورة مختلفة وتتناسب مع قدرتهم على تحملها.
ومن المتوقع أن يقود فرض ضرائب على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني إلى رفع تكلفة الاحتفاظ بهذا النوع من الأراضي. وسترتفع هذه التكلفة مع ارتفاع مقدار الضريبة والمدة الزمنية المحتفظة بها الأرض. وينبغي توخي الحرص الشديد في تحديد مقدار الضريبة، فالضرائب المرتفعة مرهقة للخاضعين لها وقد تقود إلى نتائج عكسية غير محمودة، أما فرض ضرائب منخفضة مقارنةً بالعائد المنتظر من الاحتفاظ بقيمة الأرض فلن يؤثر بفاعلية في تصرفات المتعاملين في شراء الأراضي وبيعها. ومن الضروري أيضا توخي الحذر في اختيار نوع الضريبة المناسبة، فالضريبة النوعية أو المحددة التي تفرض على المتر المربع وفرض ضرائب متساوية على كل الأراضي لا ينسجم مع مبدأ العدل في فرض الضرائب. وقد تلجأ الجهات الإدارية إلى اقتراح ضرائب محددة بالمتر على الأراضي كافة، وذلك لتسهيل إجراءات تطبيقها، وفي هذا مساواة بين الأراضي مرتفعة السعر ومنخفضة السعر. وجرت العادة في دول العالم على فرض ضرائب على العقار مبنية على أساس القيمة وذلك تحقيقاً لمبدأ العدالة في الضرائب. وتصل نسبة الضريبة في بعض من الأحيان إلى نحو 1 في المائة من قيمة العقار وقد تتجاوزها.
ويتملك البشر الأراضي الخاصة من أجل أهداف استثمارية أو استهلاكية أو كليهما معاً. ويرتفع الطلب الاستثماري على الأراضي مع ارتفاع العائد المتوقع الذي يتحقق عند بيع هذه الأراضي بعد فترة من الزمن، تكون عادةً أكثر من سنة وقد تمتد إلى سنوات طويلة. وفرض ضريبة سنوية على الأراضي يراد به رفع تكلفة الاحتفاظ بالأراضي غير المستغلة للحد من الطلب الاستثماري على الأراضي. ولهذا فكلما ارتفعت الضرائب على الأراضي البيضاء التي لا تحقق أي إيراد في العادة ارتفعت تكلفة الاحتفاظ بها. وهذا يخفض العائد من ملكية هذه الأراضي ويخفض من مقدار الطلب الاستثماري عليها، كما أنه قد يرفع ميزة الاستثمارات الأخرى. ونظرا لمحدودية قنوات الاستثمار الأخرى في المملكة ودول الخليج نرى تركيزاً كبيراً على الاستثمار العقاري. وشهدت فترة طفرة الأسهم في المملكة تراجعاً في الطلب الاستثماري على العقار بسبب جذب سوق الأسهم للمدخرات المحلية، لكن الانهيار المريع لسوق الأسهم دفع المدخرات المحلية للعودة إلى سوق العقار، ما أسهم في رفع أسعاره وأسعار الأراضي بصورة خاصة. ولهذا فإن تنمية قنوات الاستثمار الأخرى في المجالات كافة، خصوصاً إعادة الثقة إلى الأسواق المالية وتطويرها سيساعد على الحد من الطلب الاستثماري على العقار من خلال توجيه المدخرات إلى القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية والخدمية. وسيسهم تنوع قنوات الاستثمار في الحد من الارتفاعات الكبيرة في أسعار العقار والأراضي على وجه الخصوص. ويحتفظ كثير من المستثمرين بالعقار بسبب الاعتقاد السائد بأمان العقار وأن أسعاره لا تنخفض، لكن الأزمة المالية العالمية الأخيرة تظهر أن أسعار العقار غير مضمونة وأن تراجعها أمر وارد، لذلك فإن التركيز على الملكية العقارية قد يعرض الملاك لخسائر كبيرة عند تراجع الأسعار.
وفرض ضريبة على الأراضي البيضاء داخل المدن لن يكون مؤثراً إلا إذا طبق بفاعلية. وسيواجه فرض ضرائب على الأراضي البيضاء رفضاً من ملاكها، كما سيتلكأ ويتأخر كثير منهم في دفع هذه الضرائب. وما لم يكن هناك حزم في تطبيقها فإن فاعليتها ستكون محدودة. وسيتعذر على بعض ملاك الأراضي تأمين سيولة لدفع هذه الضرائب، خصوصاً إذا كانت كبيرة، ولهذا قد تضطر الجهات المسؤولة إلى الحجز عليها وبيعها في المزاد. ولا أعتقد أن الجهات الإدارية ستتجه إلى هذا الإجراء أو المغالاة والتشدد في تحصيل هذه الضرائب أو الرسوم، فحتى صناديق التنمية لا تلجأ إلى المحاكم للحصول على القروض التي منحتها. وستواجه الجهات المسؤولة عن تطبيق ضريبة الأراضي صعوبة في تحديد قيم الأراضي إذا تم فرض ضريبة على أساس القيمة، وسيلجأ كثير من الملاك، خصوصاً المتنفذين إلى الواسطة ووسائل أخرى متعددة للتأثير في تقييم أثمان الأراضي ولخفض قيمة الضريبة.
إن فرض رسوم وضرائب على الأراضي البيضاء يبدو سهلاً ومقنعاً من الناحية النظرية، لكن تطبيقه على أرض الواقع سيكون معقداً وغير سهل، وذلك في ظل غياب أنظمة ضريبية على الملكية بوجه عام. كما ستواجه الجهات المسؤولة عن تطبيقه صعوبة كبيرة بسبب الامتعاض الذي سيبديه الخاضعون للضريبة، ومحدودية صلاحية الجهات المنفذة، وانخفاض خبرتها في هذا المجال، وقلة الكوادر المؤهلة لتطبيق أنظمة ولوائح الضرائب بكفاءة وفاعلية. فهناك نقص كبير في المحصلين الضريبيين المؤهلين وندرة في المثمنين العقاريين القادرين على تحديد قيم الأراضي بدقة. ويعتقد البعض أن فرض ضرائب على الأراضي سيؤدي إلى تراجع أسعارها بسرعة، لكن هذا قد لا يكون دقيقاً، حيث إن نوع وحجم الضريبة وفاعلية تطبيقها ستحدد ردة فعل المتعاملين في العقار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي