مخلفات حضارية! (1)

تشير التقديرات إلى أن قيمة مشاريع الإنشاءات الجارية حالياً في الخليج العربي بلغت قرابة 915 مليار دولار، ووفقاً لبعض الأبحاث العلمية الأمريكية المحكمة، أشارت الأرقام إلى أن ما نسبته 10 إلى 15 في المائة من الحجم الكلي للمباني يطرد بمثابة مخلفات مواد بناء يتم التخلص منها في الغالب بطرق غير صحية! غير أن التجارب التي قام بها بعض المصنعين والمساحين الأرضيين في أمريكا أثبتت أيضاً إمكانية تقليص هذه النفايات لتراوح بين 2.5 إلى 5 في المائة من الوزن الكلي للمواد الداخلة في إنشاء المباني، مما يشير إلى أن ثلثي النفايات على الأقل ناشئة من عدم مبالاة قطاع المقاولات بتحمل مسؤولية خفض المواد المطرودة، مع العلم أنها ستعمل بشكلٍ غير مباشر على تخفيض التكلفة عليهم، إلى جانب ضعف الجهات الرقابية في إيقاع العقوبات على المخالفين. وتكمن الخطورة في أن هذه المخلفات تحتوي على الكثير من المواد غير القابلة للتحلل مع الزمن؛ فطبقاً لتقديرات وكالة حماية البيئة الأمريكية NSEPA فإن نحو 40 إلى 50 في المائة من مخلفات الهدم هي مواد خرسانية وكسر حجرية، إلى جانب 20 إلى 30 في المائة مواد خشبية، و10 في المائة تقريباً من المواد العازلة والأسفلت، و5 في المائة مواد معدنية! هذا من دون تقدير مواد الهدم الناجمة عن تهيئة المواقع قبل البناء، ومن دون إدراج الأرقام المتعلقة بمشاريع الإنشاءات الحكومية. وعلى سبيل المثال فإن نحو 200 طن من المخلفات تنتج من جراء هدم وإعادة بناء منزل واحد فقط، ويمكن علمياً إعادة فرز واستخدام نحو 80 في المائة من هذه المواد عوضاً عن طردها كمخلفات بناء! وفي أستراليا وحدها على سبيل المثال، يبلغ نصيب الفرد الواحد من النفايات نحو طن ونصف سنوياً.
لا شك أن هذه المؤشرات في غاية الخطورة وتتطلب خططاً علمية واقتصادية للتعامل معها، خصوصاً إذا ما علمنا ضخامة تكلفة التخلص من هذه المخلفات بشكل ينهك كاهل الأجهزة المعنية بالأمر، حيث تبلغ تكلفة التخلص من نفايات المنزل الواحد في أمريكا نحو 500 دولار - طبقاً لتقرير الجمعية الوطنية لبناء المساكن NAHB.
وإذا ما قدر الفرق بين نوعية البناء في أمريكا مقارنة بنمط البناء السائد في المملكة العربية السعودية ونوعية المواد المستخدمة وأهمية معالجتها بطرق علمية جذرية، وليس أن يتم نقلها من مكان لآخر، فإن التكلفة اللازمة لمعالجة الأمر ستكون أضعاف التقديرات الأمريكية ولا شك! بل الأسوأ من ذلك أن تكلفة معالجة آثارها البيئية المدمرة على كثير من مظاهر الحياة الطبيعية ستكون باهظة الثمن بشكل كبير بل ربما غير ممكنة في كثير من الأحيان، إذ من المحتمل أن يتسرب الكثير من هذه المواد إلى الطبقات الأرضية للتربة، مشكلة مخاطر جسيمة لطبقات المياه الأرضية، محدثة هدراً وتدميراً لهذا المورد المهم، ينتج عنه مياها ملوثة وغير صالحة لا للشرب ولا للزراعة، وخصوصاً في بيئتنا الصحراوية قليلة الأمطار، هذا إلى جانب الأثر الجيولوجي المحتمل للطبقة السطحية للتربة، مشكلة مصدراً خطيراً لإثارة الأتربة والغبار، حيث من الملاحظ بجلاء حجم التغيرات المناخية التي أصبحنا ندرك أثرها عاماً بعد عام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي