فلسطين بين الدولة والمقاومة
لم يجد الفلسطينيون ومن خلفهم العرب بدا من التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة بعد أن ثبت لهم أن ما سمي عملية السلام والرعاية الأمريكية الحصرية لها لم تؤد إلى أي نتيجة، فعلى مدى أكثر من عقدين من الزمن ومنذ توقيع اتفاقيه أوسلو لم تفض عشرات جلسات المفاوضات بين الفلسطينيين وكيان العدو الصهيوني ولا الاتفاقيات التي انبثقت منها، إلى نتائج عملية لترجمة السلام إلى واقع وفق مبدأ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ''الأرض مقابل السلام''، فالعدو الصهيوني كان وما زال يريد الأرض والسلام معا مقابل سلطة فلسطينية باهتة لا وجود لها إلا مظهريا فقط. وكان ذلك متوقعا منذ انطلاق عملية السلام في مدريد، لأن كيان العدو الصهيوني لم يكن قط جادا ولا صادقا في التوجه للسلام، كما تعهد إسحق شامير رئيس وزرائه آنذاك لقوى اليمين الصهيوني المتطرفة بجعل التفاوض بلا أفق ولا نهاية وعملية عبثية وهو ما حدث بالفعل.
ما ساعد على هذا التيه التفاوضي الموقف الأمريكي المتواطئ مع الكيان الصهيوني، فالولايات المتحدة التي احتكرت الإشراف والرعاية لعملية السلام برمتها لم تكن أمينة ولا عادلة ولا حكما يعول عليه، فطوال سنوات التفاوض كان كيان العدو يخرق كل اتفاقيات السلام ويخرج على كل مبادئ السلام ولا يلتزم بما يوقع عليه، ويتخذ من الإجراءات الأحادية سياسة له في التعامل مع الفلسطينيين دون الالتزام بما نصت عليه تلك الاتفاقيات. والولايات المتحدة لا تحرك ساكنا، بينما تلوم السلطة الفلسطينية على كل شيء حتى ولو كانت غير مسؤولة عنه، وهو ما شجع كيان العدو الصهيوني على التلاعب الفج بعملية السلام، ولحس كل الاتفاقيات كما يفعل نتنياهو بكل صفاقته وغروره وعنجهيته.
هذا الحال ما كان له أن يستمر في ظل المتغيرات العميقة والمهمة التي جاء بها الربيع العربي، وهي ما أعطت الرئيس الفلسطيني دفعة قوية للتمرد على ذلك الوضع، وكسر قواعد لعبة كان مجبرا عليها بما في ذلك رفض إغراءات، بل تهديدات واشنطن بإلحاحها عليه بعدم الإقدام على خطوة التقدم بطلب العضوية لفلسطين في الأمم المتحدة لما ستسببه لها من حرج في مواجهة شعوب عربية أصبح لها صوت وقرار ولم تعد مغيبة كما كانت. وعلى الرغم من احتمال عدم حصول الطلب الفلسطيني العربي على النصاب القانوني في مجلس الأمن، وهو تسعة أصوات التي ستدفع بواشنطن لاستخدام ''حق'' النقض في مغامرة لا شك أنه سيكون لها ثمن باهظ على سمعة الولايات المتحدة المتردية أصلا، بسبب الضغط الأمريكي المتوقع، فإن الرد الفلسطيني على فشل هذه الخطوة في التوجه للمجتمع الدولي يجب أن يكون داخليا بالسير قدما في إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية بكل جزئياتها وبدعم عربي لها وحماية أيضا من تغول واشنطن وكيان العدو وميوعة الموقف الأوروبي.