التخريب الاقتصادي والاجتماعي

إن أموال المخدرات، اقتصاد مؤذ للمواطن والمجتمع والوطن والدولة، ويعبث بالأمن الاجتماعي والاقتصادي الوطني. والمشكلة إن بعض المروجين له من بعض الجنسيات يتمتعون بحسن التصرف والتعامل، وهم في مستويات أخلاقية متدنية بحيث لا يفرقون بين المال الحلال والحرام، لا يهمهم إلا جمع المال بأي طريقة كانت، ويقدمون لنا ولأبنائنا السم القاتل على طبق من عسل.
توجست خيفة من المعلومات التي ذكرها الدكتور العراقي رافد علاء الخزاعي عن انتشار المخدرات في العراق، وتحديدا جنوب العراق، وكيف أن تجارة الحشيش انتشرت بعد سقوط نظام صدام، لأن القانون العراقي اختلف، وأن سعر كيلو الحشيش أصبح 11 ألف دولار، وأن ما نسبته 10 في المائة من الشباب العراقي يتاجرون بالمخدرات، وأن7 في المائة من سكان الجنوب العراقي متعاطون لها.
ويقول الدكتور الخزاعي إن قانون بريمر لعام 2003م سهل هذه التجارة بعد ما كان المتاجر بها يحكم عليه بالإعدام، حتى أصبحت تجارة الحشيش في جنوب العراق تشكل مصدر دخل لكثير من الأشخاص، والمؤسسات والتنظيمات. ويضيف الدكتور الخزاعي أن المخدرات في العهد السابق كانت أقل انتشاراً، ولا تزيد نسبتها على 3 في المائة، لكن بفضل إيران فإن المخدرات أصبحت هاجس كل أسرة عراقية، إما أن تكون ذا هوى فارسي، أو أن يدمن أطفالك على الحشيش، حتى بلغت تجارة وتعاطي الحشيش نسبة كبيرة بشكل لافت.
ما يحدث في جنوب العراق من تهريب وبيع للمخدرات يعطي دلالات واضحة وإشارات قوية إلى أن إيران ترغب في السيطرة على الجنوب العراقي عن طريق هذه السموم القاتلة رغم دعمها الشيعة وحفاظها على الثوب والشكل الديني، وهي في الواقع تتصرف تصرفا قوميا صفويا متعصبا، وليس أمامها إلا طريق واحد، إما الخضوع لإدارتها أو الضياع، فجيل كامل في الجنوب مسحت شخصيته وأصبح مع الأسف الشديد يدار من قبل تجارة الحشيش التي يتحكم فيها الحرس الثوري وفيلق القدس، اللهم أعفنا من شرورهم ولا تبتلينا وتبتلي بلادنا بهم.
ما قاله الخزاعي أثار أسئلة كثيرة لدي وجعلني أستعرض شريط الأحداث لأجد أن تهريب الحشيش كان يتم عبر اليمن، وعبر الحدود مع العراق، وعبر الأردن، ولبنان قادما من سورية وإيران. وأكبر شاهد على ذلك ما يحصل كل فترة عن اكتشاف رجال أمننا البواسل (حرس الحدود) كميات كبيرة من الحشيش والمخدرات على الحدود مع اليمن والعراق، وأخيرا بالطيران الشراعي، بل طيران مزود بتقنيات حديثة تحول دون اكتشافه من قبل الرادارات.
تحدثت في الموضوع ذاته مع العديد من الإخوة المثقفين والمسؤولين، فأكدوا أننا نعيش في حالة حرب مع تجارة المخدرات، وأن إيران وراء تهريبها إلى اليمن والعراق، وأن بعض العصابات الآسيوية لها تعاملات كبيرة مع إيران، غير أن أحد الإخوة استفزني عندما أكد لي أن بيع سجائر الحشيش أصبح منتشراً في بلادنا ودول الخليج بصفة عامة بمباركة ودعم إيراني، وأن هناك من يروج له، والمقصود والمستهدف هم شباب الخليج وخاصة المواطن السعودي.
بالأمس القريب ضبط رجال أمننا البواسل(حرس الحدود) شحنة حشيش بواسطة طائرة شراعية قادمة من العراق. وقبل ذلك ضبطوا شحنات كثيرة من المخدرات وحبوب الكبتاجون وأشرطة مخلة بالآداب وغيرها، وكلها لتدمير الشباب السعودي وحرفه عن دربه ومساره الصحيح والقويم.
جهود وزارة الداخلية متميزة وواضحة في هذا المقام وتشكر عليها، ولكن التوعية والحصانة الفكرية والثقافية مطلوبة وأمر بالغ الضرورة، ولا بديل عن المجالس الاجتماعية والثقافية في كل حي، لتعزيز الأمن الاجتماعي وتحصين الجبهة الداخلية، لأن الأمن ليس عمل وزارة الداخلية ولا مسؤوليتها فقط، بل الأمن شراكة بين الدولة ومؤسساتها والمواطن والمجتمع، وشراكة مع الإعلام والتربية.
كيف سيكون موقف رب الأسرة (لا سمح الله) لو تعرض فلذات أكباده لهذا الاعتداء وهذا الانتهاك ولهذه السموم المميتة؟ كيف لو تقاسم هذا المواطن المسؤولية الكبيرة مع رجال الأمن ورجال الداخلية وما يتعرضون له لدى تعقبهم لتجار المخدرات والمروجون لها، وكيف يضحون بأنفسهم من أجل أمننا الاجتماعي والوطني، وكيف لا نمتلك القدرة على تحصين أنفسنا لنكون شوكة في حلوقهم، وكيف لا نساهم كمجتمع ومواطنين في رد الأذى عن أهلنا وأسرنا ونحن نرى هذا الاستهداف الأعمى التي تقوده دولة تدعي الإسلام.
جميعنا مسؤول، وهذه مهمة وطنية علينا أن ننفر لها خفافا وثقالا للحد من آثارها على المواطن والمجتمع وأمننا واقتصادنا الوطني، وألا نقول إذا لم يأت شر لا يعنينا الأمر، لأن الشرور إذا طالت المجتمع وصلتك لا محالة. فهل من وقفة جماعية واجتماعية ووطنية مسؤولة من الجميع لحماية أمن واقتصاد الوطن والمواطن؟ وشكرا لرجال أمننا البواسل في جميع قطاعات وزارة الداخلية على ما يقومون به من أجلنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي