الفسخ والبطلان في عقود الشركات
الفسخ والبطلان من أكثر المصطلحات القانونية التي يقع فيها اللبس؛ وذلك لاتفاقهما في أن كلا منهما ينتج منه حل الرابطة العقدية بين أطراف العقد، ولكن في الوقت نفسه هناك بون شاسع بين آثار كل منهما على الحقوق والالتزامات، لأطراف العقود التي تنتهي بالفسخ أو البطلان.
وكثيرا ما يقع اللبس عند المنازعة بين أطراف العقود لدى القضاء؛ إذ إن بعض المدعين في منازعات العقود التجارية يقيم دعوى يريد منها فسخ العقد بينه وبين المدعى عليه ويطلب الحكم بإعادة المراكز القانونية لطرفي العقد إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، وإهدار كل ما نتج عن ذلك العقد من آثار أي كأن العقد لم يقم من أصله، والواقع أن هذا الطلب في حقيقته طلب للحكم ببطلان العقد محل النزاع خلافا لما يعبر عنه الكثير من أنه طلب للحكم بفسخ العقد، كما لو كان النزاع على سبيل المثال في عقد شراكة فإن الطلب يتمثل في إعادة المركز القانوني للشريك المدعى عليه كما كان عليه قبل قيام عقد الشركة وانعقاده، ومن آثار ذلك الحكم بعدم استحقاقه لأرباح حصته في رأس مال الشركة، تأسيسا على أن الشركة لم تنعقد أصلا مع المدعى عليه المراد فسخ شراكته.
والواقع أن الفسخ إنما يكون بعد تمام الانعقاد الصحيح، المبني على توافر شروط العقد وأركانه ويثبت الفسخ بناءً على سبب طارئ يمتنع معه بقاء العقد بعد وجوده، ولا يترتب على الفسخ بطلان التصرفات، والحقوق والالتزامات السابقة له، ومن ذلك أن الفسخ وإن حكم به القضاء فإنه لا يسقط استحقاق الشريك لأرباحه حتى تاريخ الحكم بفسخ الشراكة، فالفسخ فرع عن نفاذ عقد الشركة الصحيح ظاهرا وباطنا؛ خلافا للبطلان فإنه ليس فرعا عن نفاذ عقد الشركة، ولا عن صحته، وإن كان العقد في ظاهره صحيحا ونافذا؛ لأن البطلان يعني أن العقد كان معدوما من أصله، وعليه فالغاية من البطلان هي إعادة ما جرى من التصرفات والحقوق والالتزامات إلى ما كانت عليه قبل العقد؛ لأنها جرت وقامت بناءً على الانعقاد الظاهري للعقد، فلما تبين بطلانه عاد كل ما نشأ عن العقد الباطل إلى ما كان عليه قبل انعقاده ظاهرا؛ لأنه غير منعقد في حقيقته، فإذا حكم القاضي ببطلان شراكة أحد أطراف العقد فإن حكمه يسقط استحقاقه لكل الأرباح الناشئة عن تلك الشراكة.
أما إذا تنازع الشركاء في شركة قامت وانعقدت انعقادا صحيحا، وتوافر في عقدها جميع شروط وأركان عقد الشركة المقررة لدى الفقهاء، فلا يمكن بعد ذلك إبطال الشركة بناءً على تقصير أحد الشركاء في الوفاء بالتزاماته العقدية، حتى وإن قصر الشريك في الوفاء بحصته في رأس مال الشركة؛ إذ إن الوفاء برأس مال الشركة ليس من أركان الشركة كما هو مقرر فقها وقضاء، فضلا عن كون المادة الخامسة من نظام الشركات قد نصت على أن "كل شريك مدين للشركة بالحصة التي التزم بها ولو تأخر في تقديمها عن الأجل المحدد لذلك كان مسؤولا في مواجهة الشركة عن تعويض الضرر الذي يترتب على هذا التأخير" فمفهوم هذه المادة أن تأخر الشريك عن تقديم حصته عن الأجل المحدد لا يبطل شراكته في الشركة، وذلك ظاهر في تسمية المادة له بالشريك، وأنه يظل شريكا في الشركة ومدينا لها بالحصة التي التزم بها.
وبناءً على هذا، فإن مجرد انعقاد الشركة انعقادا صحيحا يثبت للشركاء فيها الحق بالأرباح الناتجة عنها، بناءً على أنهم مسؤولون عن الخسائر التي قد تلحق بها؛ وذلك لأن الغنم بالغرم والخراج بالضمان، فتحمل تبعة هلاك رأس المال وخسارته، يلزم منه استحقاق نمائه وربحه.