غايات الحوار
هناك إشكالية في قراءة الخلاف والاختلاف تصل الأمور فيها إلى المزايدة والتشكيك. هذه الثقافة التي عانت منها مجتمعاتنا العربية، تفضي إلى نوع من الشق بين إخوة التراب، لأن كل شخص لا يريد الحوار، بقدر ما يريد تغيير وجهة نظر الآخر. بينما الأجدى والأسهل أن تنبني فكرة الحوار على الفهم وتفهم وجهات النظر، مع عدم قسر الآخر على التخلي عنها. الأمر غاية في اليسر.
لنتخيل ثلاثة أصدقاء دلفوا إلى مطعم، وبادر كل منهم لاختيار الوجبة التي تناسبه. ولكن أحدهم بادر لإجبار رفيقيه على أن يختارا طعاما آخر والتخلي عن رغبتهما. هذه الطريقة في الفرض دون حوار وإقناع، ستنتهي حتما إلى ترك هذا الصديق ومبادرته غير اللطيفة.
وجهات النظر وتشكيلها فعل إنساني جميل، ووجود وجهة نظر أخرى، ليس معناها أبدا أن من يأخذ بها سيقف في الطرف الآخر تماما.
إن الثراء، الذي تمنحه تعددية الآراء، يجعل الخلاف حول مدى جمال هذا اللون أو ذاك يعبر عن الذائقة ولا يستدعي العداء، فالألوان بكل أطيافها تنعكس على الروح بكثير من الإيجابية.
كلما تابعت نقاشا مع أصدقاء في جلسة، أو حوارا على التلفزيون، أتحسس من ارتفاع الأصوات، التي تريد اختصار الحق والحقيقة في رأي واحد.
هذه الثقافة التي روج لها سامي حداد في قناة الجزيرة وتبعه آخرون، تفجر طاقات سلبية، تجعل المرء يغض النظر عن "المشترك" وهو كثير، ويركز فقط على وجهة النظر المختلف عليها. وبالتالي يغدو من الصعب رأب الصدع، لأن كل إنسان يرى أن صوته القوي يجعل رأيه قويا أيضا. هي نوع من استرجاع عصر الشاعر الفحل.