سلطان بن عبد العزيز قائد ومهندس البيئة المستدامة في المملكة

الموت حق وهو من سنن الله في خلقه التي لا يمكن ردها، لكن يجب الاحتساب عند وقوعها. واليوم يمر المجتمع السعودي بحالة حزن وألم بفقد الرمز الكبير صاحب الوجه البشوش سلطان الخير سلطان بن عبد العزيز ولي عهد هذه البلاد وعضد ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز. نسأل الله - جل جلاله - أن يرحمه ويسكنه واسع جنانه وأن يجعل كل عمل وخطوة قام بها شفيعة له. كما نرفع أحر آيات العزاء وصادق المواساة لخادم الحرمين ولكل آل سعود ولجميع أفراد الشعب السعودي الكريم على هذا المصاب الجلل.
يمثل الأمير سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - بتاريخه الناصع في مسيرة تطور وتقدم المملكة قيمة سيسجلها تاريخ هذه البلاد بحروف من ذهب، فقل أن تجد أي زاوية من زوايا الوطن أو أي فعل أو قرار لا تجد بصمة وجهد ورأي سلطان العطاء وسلطان رجل الدولة المخلص والوفي لقيادته وشعبه. ومع تنوع وتعدد إنجازات ومواقف سلطان بن عبد العزيز الكثيرة فإنني في هذا المقال المختصر أجدني مشدودا لأمر تنموي عظيم فطن له - رحمه الله - وبذل في سبيله المال والجهد، ألا وهو موضوع البيئة وأبعادها المتعددة، وضرورة إيجاد البرامج والمؤسسات التي تعتني بها وتنشر الوعي حولها. والبيئة وما يتعلق بها من معايير وضوابط ودراسات كانت نتيجة جهود حثيثة واستراتيجيات رائدة توصل لها المجتمع الدولي بهدف حماية حياتنا وحياة الأجيال القادمة عن طريق التعامل الرشيد مع متطلبات التنمية المتسارعة وما يصاحبها من تقنيات حديثة واستنزاف للموارد الطبيعية. إن اهتمام الأمير سلطان بموضوع البيئة تمثل في سعيه ودعمه لإنشاء الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة التي تولى - رحمه الله - رئاسة مجلس إدارتها، وكان متابعا لكل مهامها ومسيرتها. لقد كان مصطلح البيئة أمرا غير معروف في منظومتنا الإدارية. ومن هذا الجهاز الحكومي انطلقت مفاهيم ومعايير البيئة في التنمية السعودية وأصبحت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة مرجعا علميا وموجها تنفيذيا لكل تطورات علم البيئة وتنفيذ المعايير الدولية التي تطالب بها المنظمات الدولية. ولقد وصلت ممارسات ومعايير البيئة إلى وضع مريح حتى لم يعد ممكنا إنشاء أي مشاريع حكومية وخاصة دون القيام بدراسة بيئية معتمدة وفقا لما يتطلبه نوع المشروع وحجمه. وهنا يجب أن نقف وقفة امتنان لسلطان الخير لأن هذه الخطوة لها من الإيجابيات التي لو علمها الكثيرون لما استغربوا ما قام به - رحمه الله - من جهود في هذا المجال.
البعد البيئي الآخر الذي تبناه الأمير سلطان هو معالجة التدمير الذي حصل للبيئة الحيوانية في المملكة، حيث شهدت فترتا الخمسينيات والستينيات الميلادية فورة في ممارسة الصيد دون ضوابط، ما أدى إلى انقراض أو شبه انقراض للظباء وطيور الحباري والأرانب والوضحيات وغيرها من مخلوقات عرفت بها الجزيرة العربية لقرون عديدة، لكن تم استئصالها في سنوات قليلة وبمساعدة من تقنيات الصيد الحديثة التي توافرت للمجتمع السعودي فأصبح الصيد هواية بدلا من أن يكون حاجة، وأصبح التباهي يتحقق بصيد أكبر كمية ممكنة حتى لو لم يستفد منها. وهنا كانت المبادرة الكريمة من رجل المواقف سلطان بن عبد العزيز بإنشاء الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وجلب الكفاءات العالمية المتخصصة. لقد تم توفير كل ما تحتاج إليه الهيئة من ميزانيات ودعم حكومي ومساندة معنوية وإجراءات إدارية تكللت بتحديد محميات متعددة ومتطورة للحفاظ عل الحياة الفطرية بجانبيها الصحراوي والبحري، وبما يمكن تصنيفه بأنه نموذج عالمي يحق لكل سعودي أن يفتخر به تطبيقا وأسلوبا ونتائج على الأرض.
إن جهود وإنجازات الأمير سلطان - رحمه الله - في مجال البيئة تعتبر وثيقة تنموية للدارسين والمهتمين، كما تمثل صفحة في سجل إنجازاته الوطنية التي تمتع وسيتمتع بخيرها ونتائجها من سكن وسيسكن أرض المملكة العربية السعودية. قد يعي وقد لا يعي بعضنا أهمية هذا البعد القيادي التنموي لدى الأمير سلطان، وقد تطغى الأمور التقليدية والمعروفة على فكرنا، لكن يبقى دور الأمير سلطان بن عبد العزيز في مجال البيئة مثل الجبل الثلجي الذي نرى رأسه، لكن تخفى علينا بقيته.
رحمك الله يا أبا خالد وجعل الجنة مثواك وألهم الشعب السعودي الصبر والسلوان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي