الامتياز التجاري.. العلامة الفارقة
حين دخلت ثقافة الامتياز التجاري إلى بلدنا، أفرحتنا كثيراً كوننا أصبحنا جزءاً من منظومة العولمة بخيرها وشرها، قادتنا أفكارنا للبحث عن مفرزة لغث العولمة وسمينها والعمل على بناء الذائقة الانتقائية لنتطور باستنساخ التجارب الناجحة في أماكن أخرى من العالم، فضلاً عن إعادة اختراع العجلة وتضييع الوقت لنلحق بسرعة محلقين نحو الحضارة.
تسير في مدننا وتبهرك الماركات العالمية الكثيرة المنتشرة في شوارعنا، فتشعر أنك في واحدة من العواصم العالمية، لم يبق الكثير من حقوق الامتياز للمتأخرين من التجار ليستحوذوا على نصيبهم من موجة العولمة العارمة.
إن من أهم المميزات التي نحصلها عليها حين ننقل التجربة الناجحة، أن ننجح في نقل الثقافة الحضارية، لا أن ننقل السلوك الاستهلاكي ونعززه ونحافظ عليه، لنضمن أرباحاً متدفقة فحسب!
فحين تدخل خدمة البريد الفائق السرعة لبلدنا، فإننا نتوقع أن تنقل الخبرة لنتعلم من التجربة الناجحة في أمريكا وأوروبا، لا أن تتأثر هذه الخدمة بثقافتنا الحضارية المتأخرة! تتعجب كثيراً حين تدخل إلى مكتب خدمة العملاء التابع لشركات البريد الفائق السرعة (Express Mail) في السعودية، وتدخل لمكتب الشركة في أمريكا على سبيل المثال من أجل المقارنة، بل إنك في أمريكا لا تضطر كثيراً لأن تغادر جهاز اللابتوب إلا لتفتح باب شقتك لممثل شركة البريد، الذي جاء ليحمل ما تريد إرساله بعد أن ترسل الطلب عبر البريد الإلكتروني للشركة بوقت لا يتجاوز الزمن اللازم لقطع المسافة من أقرب مكاتبهم إلى منزلك!
نتعجب كثيراً من عدم اختلاف خدمة البريد المدفوع المسمى سريعاً وعالي التكاليف عن خدمة البريد العادي كثيراً سوى أنك تتسلم الطرد البريدي عبر خدمة من الباب إلى الباب، بل إنك تضطر نظراً لعدم كفاءة ترقيم المنازل في أن يستدل ساعي التوصيل على منزلك لتسلمه من مكاتبهم مباشرة، العلامة التجارية التي خلف الموظف هي ذات العلامة التجارية في أمريكا، إلا أن ممثل خدمة العملاء يتحدث العربية بطلاقة، موظف واحد فقط يستقبل العشرات في ذات الوقت، هل لك أن تتخيل كيف سيكون مستوى الخدمة؟!
نشترى العلامة التجارية عبر الامتياز التجاري، وبدلاً من أن نتعلم من التجربة الناجحة، وننقلها للسعودية، بنكهة حب الوطن والرغبة في أن يتحول تدريجياً إلى العالم الأول، إلا أننا للأسف نجعل أصحاب التجربة يتلوثون بثقافتنا الاستهلاكية، ويتحولون للهدف المادي فقط، ونعزز قناعتهم بأن المظاهر تخدعنا، فنحن نحب الماركات المستوردة حباً أعمى!
إلى متى يا تجارنا لا تتصرفون بوطنية وبلا وعي حضاري، ولا تخلعون ثوب الأنانية المادية النرجسية الرأسمالية من أجل وطن لا يبقى فيه إلا الأصلح؟! فالوطن ليس وطناً إلا لمن يستحقه.