وزارة التجارة: مراقبون .. مراقبات .. وتقسيط!
كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد أمر في الثالث عشر من ربيع الآخر 1432 الموافق 18 آذار (مارس) من 2011 باستحداث 500 وظيفة في وزارة التجارة والصناعة؛ لمراقبة أسعار السلع في الأسواق. وجاء في الأمر الملكي: ''نظرا لأهمية الرقابة على الأسواق ومراكز البيع في جميع مناطق المملكة، للحد من أي تلاعب، أو زيادات أو مبالغة في الأسعار، ولأهمية مضاعفة جهود وزارة التجارة والصناعة الرقابية لمتابعة ذلك، وأداء المهام المنوطة بها، ولحرصنا على قيامها بعملها على الوجه الأكمل، مع التأكيد على عدم التهاون في ضبط الأسواق والحد من الممارسات غير المشروعة، أمرنا.. إحداث 500 وظيفة لوزارة التجارة والصناعة لدعم جهود الوزارة الرقابية، وعلى الوزارة المسارعة بكل قوة وحزم لإيقاع الجزاء الرادع على المتلاعبين بالأسعار والتشهير بهم دون تردد كائنا من كان المخالف''.
في ضوء هذا تم التنسيق بين وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الخدمة المدنية، وحددت الأرقام الشاغرة المتعلقة بوظائف المراقبين والمراقبات في السوق المحلية، وتضمن اعتماد مسميات وظائف 200 مراقب ومراقبة مبدئيا من أصل 500؛ ليتم تدريبهم وتوزيعهم على المقر الرئيس وفروع الوزارة في مناطق المملكة خلال الشهرين المقبلين.
هذا الدعم من قبل خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز يضع الإجراء الأخير لوزارة التجارة وآليتها لمراقبة الأسواق أمام امتحان؛ إذ ستقدم هذه الدفعة من المراقبين والمراقبات مؤشرا عمليا على أدائها فـ 200 مراقب ومراقبة يفترض أن تؤدي إلى تحسن حالة أسواقنا وضبط الانتشار المؤسف للمخالفات، ليس في الأسعار وحسب، وإنما في الغش والتستر وسائر الظواهر السلبية، خصوصا وقد طال الغش والاستهتار غذاء المواطن والمقيم ودواءهما؛ فالعينات التي سبق أن ضبطتها هيئة الغذاء والدواء وأمانة مدينة الرياض، فضلا عن شكاوى الغرفة التجارية ورجال الأعمال المحترمين من هذا الاستهتار الذي طال حتى بيع الأرز المغشوش والرديء بعبوات حملت علامات لأصناف جيدة موثوق بها، وأن يتم ذلك داخل المملكة تعبئة وتوزيعا وبيعا.. مثلما ما زال يتواصل انتشار محال البضائع الرديئة والسلع الهزيلة التي تشكل خطرا من ناحية، واستنزافا لأموال الناس تحت إغراء الثمن الزهيد لها، وعدم مقاومة الفضول الإنساني، إذ قد لا يدرك البعض حجم السوء فيها إلا بعد أن تقع الفأس في الرأس، وقل مثل ذلك في التستر وفوضى تجارة العمالة!!
وإذا كان التوجه من قِبل وزارة التجارة والصناعة سيضم في هذه الدفعة إلى المراقبين مراقبات؛ فحتما إن مثل هذا الإجراء يشكل عدالة في فرض التوظيف مثلما سيشكل في الوقت ذاته تنافسا بين أداء المراقبين وأداء المراقبات وسينعكس على فاعلية الرقابة نفسها في نهاية المطاف، لكن تظل مسألة تقسيط المراقبين والمراقبات، بالبدء بعدد 200 فقط تقسيطا لا مبرر له، حتى إن كان بسبب عدم الاعتماد في الميزانية لكل الـ 500 وظيفة، فطالما أن الأمر الملكي قد قرر هذا الرقم فالأجدى أن تجند وزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية، ومعهما وأكثر منهما طبعا وزارة التجارة، جهودا حثيثة لإنفاذ رغبة خادم الحرمين في تنظيف أسواقنا من أنواع التلاعب والمخالفات وإيقاع العقوبات بكائن من كان بأسرع وقت ممكن؛ لأن تقسيط حجم الاعتماد في هذه الوظائف لن يعني سوى إطالة مدة تلك السلبيات وربما ازديادها فيما جاء القرار الملكي لمحاربتها.
إنه لو تم ضخ 500 مراقب ومراقبة فإن ذلك سيضع مزيدا من العيون والآذان والأقدام اليقظة الحية لتجول في الأسواق بكثافة نحن أحوج ما نكون إليها، بل كان المفترض أن تكون وزارة التجارة والصناعة هي المطالب الشديد الإلحاح بضرورة المبادرة بسرعة إلى تأمين إجمالي ما أقره القرار الملكي دون نقصان، فالتجارة تشكو في كل نقد يوجه إليها من قلة القوى البشرية التابعة لها في هذا المجال، وما دام خادم الحرمين قد بادر بأمره الكريم فلماذا هذا التقسيط وهي الملامة دائما أمام المستهلك عن عديد من عثرات وسلبيات ما يحدث في أسواقنا المحلية من أنواع المخالفات والتجاوزات؟ فهل بالإمكان العودة عن هذا التقسيط باعتماد الإجمالي؟ إنه سؤال كان ينبغي ألا نطرحه.. لأنه كان ينبغي أساسا ألا تتخلى وزارة التجارة عن ضرورة التأكيد على أنها لا ترضى بغير الإسراع في اعتماد الإجمالي الذي وجّه خادم الحرمين باعتماده؛ كي تعزز من ناحية مهام قوى بشرية ظلت تشكو من عدم توافرها وكي تمتحن كذلك آليتها في الرقابة وما إذا كانت المسألة مجرد نقص في القوى البشرية أم نسقا إداريا يحتاج إلى هيكلة برؤية واستراتيجية وآلية أكثر فاعلية تخدم مهام الوزارة على النحو الذي يحفظ للنشاط في أسواقنا حيويته وأمنه واستقراره فلا يضار المستهلك ولا يضار صاحب النشاط أياً كان نوع نشاطه!!