بناء شخصية الطفل
(حق تربية الناشئة) كان هذا هو عنوان المقالة السابقة حيث أشرنا إلى أهمية التركيز على التربية السليمة للطفل واعتباره حقاً للطفل وواجباً على الوالدين ثم المدرسة ثم الجهات ذات العلاقة التي سردناها في المقالات السابقة وعرَفنا الطفل وسن الرشد ومرحلة الرضاعة وأشرنا إلى أهمية مرحلة الطفولة وأنها مرحلة بناء الشخصية عقلياً ونفسياً وجسدياً، والآن مع:
قدرة الإنسان على تكييف نفسه
الإنسان بطبيعته يتأثر كثيراً وتنمو شخصيته من الداخل والخارج، من الداخل بالتأثيرات النفسية والعقلية والجينات ومن الخارج بالبيئة التي حوله من الأسرة والمدرسة والأصدقاء والإعلام والمجتمع بصفة عامة وبالطقس الذي يعيش فيه كذلك، وقد ميَّز الله الإنسان وفضله على كثير مما خلق - عز وجل - تفضيلاً كبيراً بالعقل وبالقدرة الفائقة على تكييف نفسه أكثر من أي مخلوق آخر بل تعدى ذلك ليكيف البيئة نفسها التي يعيش فيها لتتفق مع ما يريد، لذلك مكنه الله تعالى من إخضاع كثير من القوى وسخرها لمنفعته. ومن المهم جداً أن نؤكد على أهمية الدور الحساس الذي تلعبه الأم في تربية أطفالها واعتمادهم عليها، فالطفل يُقبل على الحياة ولديه إمكانات فطرية وكفاءات ذاتية، فعلى الأم وبدعم من الوالد رعاية الطفل ليصبح فرداً مستقلاً له شخصيته المتميزة والخاصة به (وهذا الاستقلال للشخصية هو من أهم مراحل بناء شخصية الطفل)، ومن الجدير بالذكر أنه ثبت للمختصين في تربية الأطفال أن المولود يتأثر نفسياً عندما تتعرض أمه لولادة عسرة، بل إن الجنين في بطن أمه يتأثر مما يصيب الأم من آلام جسدية ونفسية وهكذا يتضح دور الأم في مسؤوليتها المبكرة منذ الحمل على الاهتمام بجنينها وعلى الأب مساعدة زوجته وأن يقف بجانبها، وآمل أن تقوم وزارة الصحة بنشر ثقافة حقوق الطفل وخاصة في مستشفيات الولادة وحتى المستشفيات العامة وأطباء الأُسر وذلك بواسطة كتيبات موجزة وبإخراج جذاب ومعلومات دقيقة وواضحة، والاستفادة مما ذكرت في حلقات التربية وما لدى المختصين من معلومات عن الطفل وحقوقه أثناء الحمل والولادة ومرحلة الطفولة خاصة، كل ذلك يساعد على بناء شخصيات الأطفال ذكوراً وإناثاً لأن الأطفال هم رجال وسيدات المستقبل. وننتهي بحديثنا عن حقوق الطفل بأن نتذكر ما عُرف في سيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عن عطفه وحبه للأطفال ورحمته بهم فكان يحملهم ويقبلهم ويداعبهم بل ويبكي لفراقهم - عليه السلام - ويوصي أصحابه والمسلمين جميعاً بالعطف عليهم واختيار الأسماء الحسنة لهم، وفي حياته وسيرته العطرة - عليه السلام - قصص رائعة عن اهتمامه بالأطفال.
وأحب كما ذكرت في المقالة السابقة أن أذكر القراء الأعِزاء أن مقالتي الأخيرة هذه ستكون خاتمة سلسلة مقالات (ثقافة حقوق الإنسان) التي كتبتها ونُشرت في صحيفة "الاقتصادية" الغراء خلال السنوات الأربع الماضية، وسأعكف بعون الله تعالى على تجميع كل ما نشر من الحلقات التي بلغت (203) حلقات في كتاب مناسب للمساهمة في نشر ثقافة حقوق الإنسان التي أمرنا الله تعالى بالاهتمام بها بجانب واجبات الإنسان تجاه ربه ثم مليكه ووطنه والاهتمام بكل ما ورد في نظام الحكم الأساس للمملكة من حقوق وواجبات للإنسان، يضاف إلى كل ذلك ما أمر به خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - من الاهتمام بنشر ثقافة حقوق الإنسان وفقاً لما صدر عن ذلك بالقرار الملكي الكريم رقم 8628/ص في 24/10/1430هـ الموجه لرئيس هيئة حقوق الإنسان وَوُزعت صور من القرار لجميع الوزارات والهيئات ذات العلاقة بما في ذلك الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وكان من أهم الموضوعات التي ركزت عليها في مقالاتي ما ورد في خطبة الوداع من حقوق وواجبات للإنسان بجانب خطبة يوم النحر في حجة الوداع وما قاله محمد - صلى الله عليه وسلم - وفعله أثناء تلك الحجة، كما تطرقت للحقوق والواجبات التي وردت في نظام الحكم الأساس لخدمة الإنسان لأكثر من (15) حلقة، وما ورد في رمضان المبارك والعيد من حقوق للإنسان، وحقوق الإنسان في بيئة سليمة (أكثر من 35 حلقة) وحقوق الإنسان في القضاء (أكثر من 18 حلقة) وعن البطالة والفقر والمرض وحقوق الإنسان في الدول العربية (أكثر من 10 حلقات)، وما يتعلق بالأمور التربوية والتعليم (أكثر من 8 حلقات).
وأشكر رئيس التحرير السابق والحالي لمساندتهما وكل من تعاون معي في الصحيفة، وبالله التوفيق.