جامعاتنا والتنمية المستدامة

كل الجامعات في العالم لديها مراكز متخصصة لخدمة المجتمع، وهذه المراكز تقوم بعمليات استطلاعية دائمة ومتخصصة، تقف على السلوك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وتوجهات الرأي العام، والتخطيط المستقبلي وتوفير مناخ أكاديمي يضمن حرية الفكر والتعبير، والاستجابة لمتطلبات المجتمع والتطور العلمي، وتعكس نتائج هذه الاستطلاعات في أطر عدة مثل الرسائل الجامعية وأطروحات الدكتوراه المتخصصة، بتقديم حلول للمشكلات الاجتماعية والإدارية والبيروقراطية والهدر المالي والاستهلاكي، والقضاء على البطالة وغيرها من السلوكيات التي تخدم المجتمع، وتمنح المؤهلين والماهرين دورا لقيادة المجتمع والمساهمة في تطويره.
تواصل جامعاتنا المجتمعي وللأسف الشديد شكلي ولأغراض الدعاية والإعلام ويركز على الأشخاص فيها، بينما الأصل أن تركز الأنظار على المؤسسة وروافدها الجامعية، كمركز خدمة المجتمع والدراسات والبحوث، وإنتاجها الفكري والعلمي، ومساهمتها الحقيقية في البحوث العلمية والتخطيط والدراسات المستقبلية مع المؤسسات الرسمية ذات العلاقة بدلا من أن تنغلق الجامعات على نفسها عن المشاركة الفاعلة، وإصرارها على أن تدار بذهنية أبوية وفردية تسببت في تصنيفات تم دفع ثمنها مسبقاً، حسب ما نشرته مثلا صحيفة ''ساينس'' الأمريكية Science بما يفيد أن جامعتين من جامعاتنا السعودية تدفع أموالا لأساتذة ليست لهم علاقة بالجامعة من أجل رفع تصنيفها كواحدة من أفضل الجامعات العالمية.
هذه التصنيفات المدفوعة الثمن تركز فقط على شخص رئيس المؤسسة وكأنه هو الكل، بينما يعيش منسوبو جامعاتنا حياة جامعية لا نعرف مدى الصدق والشفافية، لهم ولا نوع الأنشطة الحقيقية والبحوث العلمية المعتبرة، وأصبحت المشكلة في جامعاتنا أنها لم تحدث تغيرا في الثقافة ولا في المنهجية التعليمية الحديثة بل أبقت على التنظير وباتت هذه المؤسسات تعمل بثقافة الرجل الواحد الذي يطور، والذي يغير، والذي لولاه لما تطورت الجامعة ولا توافرت فيها طواقم التدريب وغيرت المناهج وقدمت البحوث العلمية.
إن على جامعاتنا أن تحدث تحولا في مسارها الأكاديمي ومسار علمائها وطلابها، وأن يمتد تأثيرها الإيجابي للمجتمع، وتصبح نموذجا في التميز والإبداع على الصعد كافة، وإجراء المزيد من البحوث العلمية والتقنية المشتركة وتسمح لمنسوبيها بالانخراط الفعلي في مجال البحث العلمي التطبيقي، ليكونوا نواة المستقبل مثل (استغلال الطاقة الشمسية والاستفادة من المنتجات المحلية حلول تنموية بارزة مثل: مشاكل النقل، وخطوط الأنابيب، وشبكة القطارات) وتدعمهم بالمساهمة الحقيقية في التخطيط والدراسات المستقبلية.
وعلى جامعاتنا التواصل مع وسائل الإعلام المتعددة والعمل على عقد ندوات تطرح فيها جميع القضايا للمناقشة، ليكون لجامعاتنا دور ملموس في تفعيل الأفكار الإبداعية وتبنيها وتطبيقها بما يسهم في الوعي الاجتماعي علاوة على دورها في بناء الشخصية الوطنية والمعرفية للطالب السعودي، ويتعزز هذا التوجه عبر علاقاتها مع مؤسسات حماية المجتمع والاقتصاد الوطني وكل ما من شأنه تحقيق التنمية المستدامة للوطن والمواطن.
مستشار مالي ــ عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي