مشروع النهضة الأممي!

الحراك العربي والحراك العالمي من الثورات العربية إلى احتلال عواصم الاقتصاد في العالم، كل هذا الحراك حرك في نفوس بعض أصحاب المصالح والأهواء والأجندات الخاصة الفرصة لركوب الموجة والبدء بحملة ورسالة ومسؤولية ما يسمونه مشروع الأمة النهضوي أو مشروع النهضة، ويستخدم الدين باللفظ والشكل كأسلوب لاختراق المجتمعات، خصوصًا بين الشباب.
إن هذا المشروع الأممي لا تعرف ما هي الأمة المقصودة في حديث أصحابه، ولا تعرف ما رسالتهم، ولا كيف يعملون على تحقيقها، أو ماذا يتوقعون من مشروعهم الأممي، بل إن بعضهم عندما تحاول أن تستوضح منه الصورة لا تجد جوابًا، وعندما تذكر له الآثار السلبية لتحريك الشعوب يقول لك: لا بد لكل عمل من أيام سوداء وليال مظلمة، لكننا نتوقع بعد السواد والظلام أن يأتي النور، وعندما تحاول أن تستوضح أكثر للوصول إلى الحقيقة الكامنة خلف المظهر والفكر تجد العزوف والتوبيخ ومحاولة الاتهام والإقصاء حتى لا تؤثر في عقول الحضور، خصوصًا الشباب من الجنسين.
إن ما نسمعه اليوم ممن يجيدون فن الخطابة واستغلال الأوضاع العربية والعالمية، وينطلقون من الأجندات قد لا يدركون أنهم هم أحجار على رقعة الشطرنج، وأن هناك من يحركهم ليحركوا الشباب بالفكر النهضوي والخروج من النفق المظلم، ولا يعلمون أنهم مستهدفون مثلهم مثل أي مجتمع يراد أن يقاد إلى عالم من الفوضى، حتى إن حاولوا أن يجعلوها تأخذ صفة الخلاقة، بمعنى أنهم يسعون خلف ما يسمونه ''الفوضى الخلاقة'' التي تحرق الأخضر واليابس، ثم قد تأتي بشيء أو لا تأتي بأي شيء كما هو الحال مع الصومال وبعض الدول الإفريقية التي عجزت نظرية ''الفوضى الخلاقة'' عن أن تخرجهم مما كانوا فيه وقادتهم نحو الموت والجوع والتشرد، وربما يستفاد منها، كما حدث مع استغلال معمر القذافي لتحقيق الانفصال بين الشمال والجنوب السوداني وزرع دولة مسيحية في أرض السودان ثم التخلص منه في أبشع صورة يمكن أن ترى لإنسان وأسرته.
إن السماح لمثل هؤلاء المرجفين والمدعين بأنهم هم المبشرون بمستقبل واعد، وقدرتهم على التأثير الإيجابي في نفوس الشباب من الجنسين واستغلالهم بشكل خاص للفتيات والعمل على تجنيدهم لخدمة مشروع ''الفوضى الخلاقة'' واقتياتهم على هذه المهنة التي يعتقدون أنهم يحققون لأمتهم كما يدعون الخير وهم يقودونها نحو الموت والدمار والهاوية وسلب الأعراض والأموال والأنفس.
إن لغة الخطاب المستخدم منهم نحو تجييش الجميع، خصوصًا الشباب والدفع بهم نحو الهلاك من خلال الشعارات الرنانة الزائفة، ولعل أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وما تبعتها من آثار تدميرية على بنية الدعوة الإسلامية وأنشطة مختلف الهيئات والمنظمات والجمعيات الإسلامية خير دليل على الأثر السلبي لمثل هذا التجييش، ولو اطلعنا على فكرهم وما يدعون إليه من دموية لتحقيق ما يصبون إليه وما يعملون من أجله تحت مظلة ''الفوضى الخلاقة'' لراعنا هذا الأمر، والمحزن هو وجود المساحة الشاسعة لمثل هذا الفكر المنحرف داخل مجتمعنا بشكل غير مقبول. وفي هذا السياق استوقفني عدد من الكتب لأحد رواد هذا الفكر يقول في مقدمته لكل كتبه ما يلي ''في هذه اللحظة التاريخية التي يتصاعد فيها صدى التحولات العالمية، حتى يصم الآذان.. وتغيب الأحلام، وتنبعث من تحت الركام التاريخي الطويل أمتنا عارية الصدر في وجه تحديات جسام وأمم تتسابق لتحصيل أسباب المنعة والقوة والتفوق.. وعلى الرغم من أن المشهد يبدو قاتمًا للوهلة الأولى، فإن المدرك لحركة التاريخ يعلم أن فجر كل نهضة يسبقه ليل طويل، وكما انطلقت أمم الأرض جميعها تنطلق أمتنا اليوم، وهي لا شك قادرة على تحصيل أسباب القوة والمنعة ولو بعد حين. تلك هي الآمال والأحلام، لذا فإننا نتقدم بمشروع النهضة لنجيب عن التساؤلات ونحدد الاحتياجات ونبعث الأمل'' انتهى النص.
إن الاطلاع على هذا الجزء البسيط جدًا من مجموعة كتب كثيرة تدندن حول مثل هذا الفكر الداعي إلى المزيد من إراقة الدماء وتدمير الممتلكات والاغتصاب والقتل، وما يحدث في بعض الدول اليوم خير شاهد على ذلك من انفلات أمني، وربما لو خير العراقيون اليوم بين دكتاتورية صدام حسين وديمقراطية المالكي لاختاروا الأولى، وأحداث العالم كلها تؤكد أن الأمن نعمة لا تماثلها نعمة على وجه الأرض.
إن الواجب علينا جميعًا أن نعمل من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية في وطننا، وألا نسمح لأصحاب الفكر الأممي ممن يستغلون الكلمات الكبار باختراق صفنا ووحدتنا، وأن نعمل معًا من أجل البناء التنموي المؤسسي السليم لوطننا، ونحقق ما نصبو إليه جميعًا من تنمية وأمن، ونعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل:
''عجبت لمن يغسل وجهه مرات عدة في اليوم ولا يغسل قلبه مرة واحدة في السنة''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي