الضغط لتحقيق الهدف .. أسلوب جائر

تعمل الشركات والمنشآت الاقتصادية بكل ما أوتيت من قوة لزيادة مبيعاتها، وبالتالي تحقيق أرباح أعلى وبث أخبار سارة للمساهمين مستخدمة في ذلك كل الآليات التي من شأنها الوصول لمستويات أحجام بيع تتناسب وإمكاناتها، ولذا فهي تهتم كثيراً بجانب التسويق وترصد له الموازنات المطلوبة أملاً في الوصول إلى تلك المستويات من المبيعات حتى أن بعض الشركات العالمية الكبيرة تضع أرقاماً ضخمة جداً تصل لحدود المبالغة للصرف على جوانب التسويق تلك، التي منها الدعاية والإعلان. ولم تقف المبالغة في الصرف على الدعاية والإعلان على التعجب فقط بل إن بعض الباحثين في مجالات التسويق من أكاديميين وغيرهم ذهب إلى ما هو أبعد في كون هذه المبالغ الكبيرة تعتبر تكلفة على الاقتصاد لا طائل منها بالقدر الذي يصرف على مثل هذه الأنشطة التسويقية. وبكل الأحوال مثلما هي الأساليب الإدارية الحديثة، التي تتبع تعظيم المبيعات من خلال التسويق تعمل الشركات أيضاً على زيادة مبيعاتها بأذرع داخلية التي منها تحفيز القائمين على المبيعات من موظفيها نحو العمل على زيادتها بنظم وأساليب مختلفة تتباين في بساطتها وتعقيدها بحسب المستوى الوظيفي.
ومثلما هو متبع عالميا تنتهج منشآتنا المحلية أيضاً هذا الأسلوب، وذلك بحث موظفي الشركة أو البنك على تحقيق مستوى معين من المبيعات أو عدد العملاء سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات. وهذا النهج المعروف عالمياً في الأساليب التسويقية يجعل من الموظف يكون دائما هاجسه الوصول إلى ذلك الهدف. ولكن الأمر في بعض الأحيان لمثل هذا الأسلوب يؤدي بالموظف إلى فقدان التركيز وعدم الولاء للمنشأة إذا وصل الأمر به أو بها إلى قناعة بأن الشركة أو البنك فقط هو من يغلب مصلحته دوماً على مصلحة ذلك الفرد بشكل حدي.
ولذا فقد شهدت كثيراً امتعاض مثل هؤلاء خصوصاً موظفي المستويات الإدارية المتوسطة فما دون، حتى يبلغ بهم الحال إلى التفكير دوماً في تغيير الوظيفة التي يعملون فيها أو الاستقالة وعدم الرضا والتذمر من هذه الشركة أو البنك بسبب الضغط النفسي والعملي الذي يلازم الموظف منذ بداية السنة حتى نهايتها. إن واحداً من الأسباب المهمة في عدم استقرار الموظف أو الموظفة السعوديين في مثل هذه المنشآت هو هذا الهدف الذي تضعه تلك الشركات أو البنوك بحديّة متناهية دون تفهم للأوضاع الاقتصادية أو ظروف تلك الصناعة. وهذا أي عدم الاستقرار ينعكس سلباً على مجمل الأداء في المنظور البعيد ويؤدي إلى انخفاض مستوى كفاءة الناتج الكلي لهذه الصناعة وبالتالي الاقتصاد.
إنني أتمنى أن تدرك هذه البنوك أو الشركات أن أسلوب تحقيق الهدف في مستويات البيع بغض النظر ما هو إلا واحد من أطراف معادلة الربحية، ولذا فالاهتمام به فقط ليس هو ما سيزيد ربحية البنك أو الشركة بل إن هناك عوامل أخرى لها التأثير نفسه بل أكبر، التي منها الكفاءة وتقليل التكاليف، حيث لن يتحقق أي من الكفاءة والفاعلية في الأداء بمجرد الضغط على الموظف لتسجيل أرقام بيع قد لا تترجمها ظروف الاقتصاد أو الصناعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي