أزمة الإسكان.. أزمة من؟
قيل الكثير عن أزمة الإسكان، وأسباب ارتفاع قيمها، ولا يزال الحديث والنقاش مستمرا على لوم الأراضي البيضاء كما لو أنها السبب والمتسبب في هذه الأزمة. إن ارتفاع أسعار العقار ظاهرة إقليمية وعالمية أفرزها النمو السكاني والاقتصادي، إضافة إلى قصور واضح في سياسات المملكة المالية خصوصا التمويلية منها والبنكية. إن هذه الأزمة لها سلبياتها ولها إيجابياتها كذلك! لكونها أحد إفرازات التنمية والتطور والنمو الاقتصادي. يجب أن نتفاهم مع هذا الوضع، لأن الأسعار القديمة لن تعود كما أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، ويجب أن نبحث عن حلول مناسبة.
لقد قيل القليل عن الطبيعة المحلية لهذه الأزمة.. ولماذا هي أزمة..؟ ومن الذي يعانيها؟ أزمة الإسكان تخص ولا تعم، إذا ما هذه الشريحة المحلية التي تعاني هذه الأزمة أكثر من غيرها.. وتستحق العون..؟ وما الحل لتحجيم الأزمة بل والالتفاف حولها، يجب ألا ننسى أن الأزمات هي وليدة تراكم المشاكل الصغيرة دون حلول. الإسكان سيبقى أزمة، إلا إذا تداركنا الأمور وفهمنا طبيعة هذه الأزمة ومكوناتها وعناصر مفاصلها الرئيسة، ومن ثم حلها مجزأة وعلى مراحل.
هذه الأزمة محلية، حلها يبدأ بتحديد الشريحة الاجتماعية الأكثر تعرضا لهذه الأزمة، إنها الشريحة التي لا تملك سكنا. هذه الشريحة هي ذو الدخل الشهري المحدود. هم أولئك الذي غالبيتهم لا مدخرات لديهم، أتوا من بيوت مكافحة ويعتمدون على دخولهم الشهرية.. أي الراتب.. والراتب لا يبني بيتا، جله يذهب للإيجار والمواصلات واحتياجات البيت والأطفال والاتصالات... إلخ. هذه هي الطبقة التي تعاني، والتي يجب البحث لها عن حل، إنها شريحة الطبقة العاملة وتشكل غالبية الكادر العامل في أجهزتنا الحكومية والخاصة، منهم خريجو الجامعات والكليات المختلفة، الفنيون، التقنيون، المدرسون، الأطباء وفئات العسكريين ورجال الأمن وغيرهم من الطبقة العاملة، إنهم دينمو الأمة وعليهم يعتمد مستقبلها، غالبيتهم يعانون هذه الأزمة. حل أزمتهم لا يعتمد على ضخامة الاعتمادات أو حتى بناء مدن أو مشاريع جديدة. هذه الطبقة في معظمها تحتاج إلى وحدة سكنية صغيرة.. شقة وليس إلى فلة ولا قصر، هذا الجيل إمكانياته محدودة وعدد أفراد عائلته كذلك محدود، لهذا، فالشقة هي ما يناسب إمكانياتهم. وهي جسرهم إلى ما هو أكبر مستقبلا. ميزة الشقة إنها وسيلة الالتفاف حول الأسعار المرتفعة للأراضي بمعنى أن الشقة تختزل الأرض، أي أنها لا تتحمل إلا نسبة محدودة من مساحة الأرض التي تتقاسمها مع الوحدات الأخرى.
حل أزمة هذه الشريحة الكبيرة يعتمد على تمويلهم لشراء الشقة المناسبة نوعا وقيمة، سواء كانت جديدة أو مستعملة. المستعملة مرغوبة لدى البعض لقيمتها الأقل، هذه الشريحة في معظمها ترغب في حرية الخيار وعدم التقيد بموقع أو مشروع محدد. قد يختار المدينة التي يعمل فيها، أو جيرة عائلته أو بالقرب من عمله أو شقة ذات سعر منافس.
اتجاه كهذا سيحقق إيجابيات عديدة منها حل أزمة الإسكان لهذه الشريحة الشابة الكبيرة وتنشيط الاستثمار العقاري على المستويات المختلفة من المستثمر الصغير والمتوسط إلى الكبير. إن تمويل وحدات هذه الشريحة، وتمويل المستثمر لبناء مشاريع من هذا النوع سيؤدي إلى انطلاقة معمارية واسعة ستتغلب على سلبيات هذه الأزمة وغيرها من الأزمات المشابهة في مناطق المملكة الأخرى.
اتجاه من هذا النوع يتطلب قيام وزارة الإسكان بوضع أنظمة ولوائح لتنظم العلاقة بين مختلف السكان الذين يقطنون في عمارة أو مبنى لتنظيم علاقاتهم مع بعضهم، هذه العلاقة تحدد مسؤولياتهم تجاه صيانة المبنى، ونظافته وسلامته. وأن تقوم الوزارة بإيجاد إدارة تتابع سنويا حصر عدد الوحدات الشققية التي تبنى في مدننا، ستفاجأ بأن أعداد هذه الوحدات في ازدياد مطرد، وعليها إقبال وفي توسع، لو توافر التمويل المناسب فإن هذا القطاع السكني سيجد إقبالا ويحل أزمة هذه الشريحة، وسيكون هناك سوق كبيرة لتداول الشقق.
لا أقول إن هذه هي كل الأزمة ولا كل الحل، ولكن هذا أحد الحلول لأحوج الشرائح. المهم بل المهم هو توفير قنوات التمويل الوفيرة مع أنظمة إقراض ميسرة. وهذا يتطلب إعادة هيكلة التمويل الحكومي ليتناسب واحتياجات هذه الشريحة وتطويع بنوكنا المحلية لتتجاوب مع هذا الاتجاه.