حين تكون الأجور ثابتة والأسعار في ارتفاع

نشرت ''الاقتصادية'' قبل أمس دراسة أظهرت نتائجها وجود فجوة كبيرة بين معدلات ارتفاع السلع ومستوى الأجور، وذلك بمقارنة بين عامي 1402هـ و1432هـ، لتصل إلى 700 في المائة، حيث بلغ ارتفاع الأسعار إلى مستوى 765 في المائة، بينما الأجور لم ترتفع إلا بـ 66 في المائة فقط. وهذا الفارق بين معدلات الارتفاع يعتبر كبيراً جداً بجميع المقاييس مما يجعلنا نضعه تفسيراً لكثير من الاختلالات في القطاعات الاقتصادية ومستويات المعيشة المتباينة بين أوساط المجتمع وكذلك أداء نتاج البنى التحتية الأساسية وكفاءتها.
إن الأسباب في ارتفاع الأسعار أولاً، هو أمر اقتصادي يحكمه عدد من العوامل منها ما يمكن السيطرة عليه محلياً ولو بشكل جزئي، ومنها ما لا يمكن التأثير فيه بسبب خضوعه لمحدّدات الاقتصاد العالمي. ومهما تكن الأسباب لذلك إلا أن هناك آليات اقتصادية عادة ما تستخدم لكبح جماح غلاء الأسعار ومحاولة تخفيض التكاليف على الفرد في النهاية، وذلك من خلال الدعم المباشر تارة أو توفير السلع والخدمات تارة أخرى بأسعار شبه رمزية من قبل الحكومة وهكذا.
أما الزيادة في الأجور فتلك مسألة داخلية يتحكم في تغييرها صانع القرار الاقتصادي، حيث يخطط لرفع درجة كفاءة التأهيل وتوفير فرص العمل الملائمة معها سواء في القطاع العام أو الخاص. ولعل كل هذا الحديث والإحصاءات تؤول في نهاية المطاف إلى مستوى المعيشة والكيفية التي يمكن من خلالها تحسينها والرفع من مستواها مع الأخذ في الاعتبار بكل جدية حقيقة مقومات تغييرها، إذ إن مستوى المعيشة ليس شيئاً ثابتاً بل متغير بسلوكيات الاستهلاك للمجتمع وظروف معيشته، حيث يُنظر إلى بعض السلع أو الخدمات في وقت من الأوقات على أنها من الرفاهية في حين أنها بعد زمن تصير من الضروريات.
إن التباين الكبير هذا بين الأجور وتكاليف المعيشة محلياً هو أمر في غاية الأهمية ويجب أن ينظر إليه بوقفة تأمل كبيرة يجب أن نبالغ كثيراً في دراسة كل ما يتعلق بها على جميع الأصعدة سواء كان اقتصادياَ أو تشريعياَ، حيث لن تستقيم خطط اقتصادية لا تطبق نظماً مدروسة تنفذ أحكام مخالفاتها لكون منظومة مستوى المعيشة حلقة متواصلة يتسلم كل جزء من مكوناتها الجزء الآخر. ولا شك أن هناك إصلاحات في هذه الاختلالات الاقتصادية التي أفرزها هذا الفارق الكبير إلا أن وتيرتها على أرض الواقع في بعض المجالات تقتضي التعجيل أكثر لكونها أمراً محسوماً لا يحتاج إلى كل هذا الوقت نحو التطبيق لكون حلولها ليست جديدة أو طارئة أو غير معروفة. وهذا ينسحب على مجالات وأنشطة اقتصادية عديدة. فمثلا الصحة أو التأمين الصحي للسعوديين أمر ما زال يؤخذ فيه ويرد دون حل جذري وواضح. وما هذا إلا مثال فقط. وهكذا لعدد من الأمور المعروفة المؤثرة في مستوى المعيشة والتي لا نحتاج إلى كل هذا الوقت للعمل بها لردم هذه الهوة الكبيرة بين دخل الفرد ومستويات الأسعار.
إن حقيقة الحلول نحو زيادة الأجور وهي الأمر الأكثر إمكانية من التحكم فيها تقتضي أن يشارك فيها الاقتصاد بشكل كلي، وذلك بوضع استراتيجية وخطط تطبق قصيرة وبعيدة المدى. فتوسيع قاعدة القطاع الخاص وفرض السعودة ومستويات الأجور فيها والتأهيل ومطالبة القطاع الخاص بذلك، إضافة إلى تمكين موظفي القطاع العام من حقوقهم الوظيفية، كالسكن والصحة وغيرهما لهو من ضروريات الإصلاح نحو سد هذه الفجوة والتي إن استمرت بهذه الطريقة فسننتهي باقتصاد يؤصل خلق طبقتين إحداهما وهي الأقلية في أعلى مراتب الدخل والأخرى وهي الأكثرية في أدنى مستوياتها. وفي جملة حصيلة مثل ذلك اقتصاد هش لا يرقى إلى مستويات التنافس العالمي والذي يزداد ضراوة في كل يوم من الأيام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي